قد تقدم القول بأن جزيرة ابن عمر أنشأها الحسن بن عمر بن الخطاب التغلبي وكان معاصرا دولتي الأمين والمأمون - ولدي هارون الرشيد - فبناؤها يكون في دولة أحدهما. فلما توفي الحسن المذكور وليها بعده أخوه أحمد بن عمر بن الخطاب ولم يزل عليها إلى أن توفي في أيام المأمون.
واستمرت جزيرة ابن عمر في يدي من يلي ديار ربيعة " تارة " وتارة في يدي من يلي الموصل. ولم تزل كذلك إلى أن تولى محمد بن رائق ديار بكر، وبقيت في يده إلى أن تغلب أبو موسى عيسى بن الشيخ بن السليل على ديار بكر فأضيفت إذ ذاك إلى ملوك الموصل. ثم تغلب بنو حمدان على ماردين وديار بكر وملكوا الموصل، فلم تزل في أيديهم إلى انقراض دولة ناصر الدولة على يد عضد الدولة في سنة تسع وستين وثلاثمائة.
ولم تزل في يد عضد الدولة بن بويه إلى أن توفي عضد الدولة في شوال من سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
وبعده تغلب أبو عبد الله الحسين بن دوستك الكردي المعروف بباد على ديار بكر والموصل فانضافت الجزيرة إليه، ولم تزل بيده إلى أن قُتل باد الكردي في سنة ثمانين وثلاثمائة.
وتغلب على الجزيرة ابن أخته نصر الدولة أبو نصر ابن مروان ولم تزل في يده إلى أن توفي في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. وقسم البلاد بين أولاده فكان لنظام الدين أبي القاسم ميافارقين وجزيرة ابن عمر. وبعد وفاة نظام الدين انتقل ملكه إلى ناصر الدولة. فلم تزل جزيرة ابن عمر في يده إلى أن قصده الوزير فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير من قبل السلطان ملكشاه فملك الجزيرة المذكورة مع ديار بكر في سنة ثمان وسبعين وأربع مائة. ولم تزل جزيرة ابن عمر في يدي نواب ابن جهير إلى سنة تسع وسبعين وأربع مائة.
ندب السلطان ملكشاه العميد أبا " الفتح " علي البلخي إلى ديار بكر فاستولى على جزيرة ابن عمر فيما استولى عليه، ولم تزل إلى أن مات السلطان ملكشاه في سنة خمس وثمانين وأربع مائة.
وكان ناصر الدولة منصور بن نظام الدين بن نصر الدولة ابن مروان ببغداد، فسار من بغداد إلى جزيرة ابن عمر فملكها، ولم تزل في يده إلى سنة سبع وثمانين وأربع مائة فقصده جكرمش فملكها، ولم تزل في يده إلى " أن " مات " الأمير شمس الدولة " في سنة خمس مائة. وقتل قليج أرسلان وملك جاولي الموصل فولى جزيرة ابن عمر حبشي بن جكرمش ومعه أمير من غلمان أبيه اسمه غزاغلي. فلما كانت سنة إحدى وخمس مائة ملك مودود الموصل فتسلم الجزيرة الجزيرة حبشي.
ثم قتل مودود وملك الموصل آق سنقر البرسقي وتسلم الجزيرة في سنة خمس عشرة وخمس مائة. ولم يزل مالكا إلى أن قتله كان ابنه عز الدين مسعود.
[ذكر وفاة عز الدين مسعود]
توفي عز الدين مسعود في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وولي عماد الدين زنكي ووقع له السلطان بذلك، وسار عنها إلى جزيرة ابن عمر.
[ملك عماد الدين زنكي جزيرة ابن عمر]
" ولما سار عماد الدين زنكي إلى جزيرة ابن عمر وبها مماليك البرسقي امتنعوا عليه، فحصرهم وراسلهم وبذلت لهم البذول الكثيرة إن سلموا فلم يجيبوه إلى ذلك. فجد في قتالهم وبينه وبين البلد دجلة. فأمر الناس فإلقاء أنفسهم في الماء ليعبروه إلى البلد ففعلوا وعبر بعضهم سباحة، وبعضهم في السفن، وبعضهم في الأكلاك، وتكاثروا على أهل الجزيرة، وكانوا قد خرجوا عن الجزيرة إلى أرض بين الجزيرة ودجلة تعرف بالزلاقة ليمنعوا من يريد عبور دجلة. فلما عبر العسكر إليهم قاتلوه ومانعوه، فتكاثر عسكر عماد الدين عليهم، فانهزم أهل البلد على الزلاقة فلما رأى من بالبلد ذلك ضعفوا ووهنوا، وأيقنوا أن البلد يملك سلمان أو عنوة، فأرسلوا يطلبون الأمان، فأجابهم إلى ذلك، وهو أيضا مع عسكره بالزلاقة فسلموا البلد إليه، فدخله هو وعسكره. ثم إن دجلة زادت في تلك الليلة زيادة عظيمة لحقت بأسوار البلد وصارت الزلاقة التي كان عماد الدين نازلا بها مملوءة ماء، فلو أقام إلى اليوم الثاني لهلك هو وعسكره، ولم يسلم منهم أحد. فلما رأى أهل البلد وغيرهم ذلك أيقنوا بسعادته، وعلموا أن أمرا هذا بدايته لعظيم.