وقال غيره: بل على دمشق، والأردن، وفلسطين، واجتمع عنده مال عظيم فُتحت نفسه عليه ولم يحمله إلى الخليفة على ما جرت به العادة. وبلغ ذلك الخليفة، فأنفذ إليه توقيعا بأرمينية. وكان قصده أن يصير إليه فيقبض عليه، فاستشعر عيسى بن الشيخ ذلك، فعصي بديار بكر واستبد بها دون أمر الخليفة. ورتب ولديه محمد بن عيسى بآمد، وأحمد بن عيسى بميافارقين.
" وبنى أحمد بن عيسى منارة بجامع ميافارقين ". واسمه عليها مكتوب في لوح حُفر تاريخه سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
واسم أحمد بن عيسى على لوح في البرج القبلي الذي تحت الباب، من جانب الغرب. وما على السور لوحٌ إسلامي أقدم منه. وهو حفرٌ في حجرٍ.
وبقيت بيد أحمد بن عيسى إلى أن مات.
وولي ولده محمد بن أحمد ديار بكر. وهذا يدل على أن أحمد بن عيسى تغلب على أخيه وأخذ آمد في حياته، أو انتقلت إليه بحكم وفاة أخيه محمد فلأجل ذلك عهد إلى ولده محمد بجميع ديار بكر.
[ذكر قصد المعتضد الجزيرة وديار بكر]
ولما وصل الخبر إلى المعتضد بموت أحمد بن عيسى بن الشيخ وتولية ولده محمد ديار بكر تجهز إلى ديار بكر في سنة خمس وثمانين ومائتين، ونازل آمد وحاصرها، وهدم سوريا، ودخلاه عنوة. واستأمن إليه محمد بن أحمد وأهل بيته فأمنهم ونفذ سرية إلى ميافارقين، فدخلوا تحت الطاعة. وسلموها إليه. وأقام بآمد مدة، وأقطع ديار بكر وديار ربيعة ولده عليّا - المكتفي -.
وولى ميافارقين وآمد الفضل بن عمران وسلم إليه جميع الثغور: ونزل المعتضد إلى بغداد وتوفي بها ودفن في حجرة الرخام.
وولي الخلافة المكتفي. وأقرَّ الفضل بن عمران على ديار بكر وأضاف إليه علي بن منصور الهاشمي مدة ولاية المكتفي.
ثم وُلي في أيام المقتدر المبارك بن ميمون بن الخليل واسمه في الجامع في المقصورة الغربية على لوح.
" وفي سنة ثمان وتسعين ومائتين نفذوا أهل ميافارقين ضعفها، وأنها تحتاج إلى من يحفظها "؟.
وكانت قلعة اليماني، وأكِلّ والجبابرة للروم وهو يُغيرون كل يوم إلى باب المدينة، وتأخذُ ما حولها.
وكان على باب المدينة الوسطاني مشط من حديد، ولم يكن عليه باب، فكان إذا هجم العدو ودخل باب الفصيل حطوا المشط من أعلى السور، ويبقى أهل البلد والعدو يتطاعنون في المشط، وكان مشبكا.
وكانت آمد كذلك من الضائقة. فلما طولع بذلك المقتدر نفذ رجلا من أهل بغداد يسمى ألطاشي عبد الرحمن بن سعيد فوصل إلى ميافارقين وباع بها أملاكا كثيرة، وجند بها العساكر، كذلك فعل بآمد.
وأملاك أهل ميافارقين اقتُنيت من هذه السنة.
وعاد ألطاشي إلى بغداد.
وفي سنة ثمان وتسع وتسعين ومائتين وُلي خفيف الأرتكني من قبل المقتدر. وكان وليها وجميع ديار بكر علي بن أبي السلاسل.
وفي سنة اثنتين وثلاث مائة وليها وأرزن معها خلف بن الحسن، وكان يحيى بن زكريا يلي ديوان المكاتبات بديار بكر أجمع.
وفي سنة أربع وثلاثمائة وليها الطيب بن يعقوب مدة وعُزل.
وعاد خلف بن الحسن.
وفي سنة خمس وست وثلاثمائة ولي " ديار " بكر أجمع وقِرْدى وبازبدي " محمد بن جني الكاتب ".
وفي ولاية الراضي ولى ميافارقين سعيد بن عاصم في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وكانت ضعيفة جدا لمجاورة الروم لها، فبقي مدة ثم عُزل.
وولى الراضي بها أبا علي بن جعفر الديلمي، وكانت الديلمية قد ظهرت، وظهر معز الدولة أحمد بن بويه وقوي، وعلت كلمته. وكان أخوه ركن الدولة أبو علي بخراسان، وقد استقر فيها، وأطاعه كل من بها، وفتح بلاد خراسان ومعز الدولة ببلاد فارس وشيراز والاهما.
[ذكر ابتداء ملك بني حمدان لديار بكر]
قد تقدم القول بضعف ميافارقين وآمد، وقلة من بهما من الأجناد، بسبب غارات الروم عليها. وأنهم أنهوا حالهم إلى المقتدر فرأى أن يضيف ديار بكر إلى الأمير ناصر الدولة الحسن بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان مضافا إلى ما كان بيده من ديار ربيعة، وذلك في سنة ثماني عشرة وثلاثمائة. وكان النائب إذ ذاك " أبو " علي بن جعفر الديلمي بديار بكر فأقره على ولايته. ولم يزل " أبو " علي بن جعفر مستمرا إلى أن دخلت سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
فتوجه الأمير ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان إلى الروم واستنقذ ملطية وحصونها من أيدي الروم وعاد سالما منصورا.