ولم تزل في يد الملك الأشرف، وهو محسن إلى أهلها، كثير الاعتناء بأمرهم، وأحبوه محبة عظيمة، لعدله فيهم، وحسن سيرته، ومكارم أخلاقه إلى أن توفي بدمشق خامس المحرم سنة خمس وثلاثين وستمائة.
[ذكر حصار بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل سنجار]
قد كنا قدمنا أن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل لما قصد والده الشام شن الغارة على بلد الموصل بمن معه من الخوارزمية وغيرهم ونهبه، فضاق بدر الدين به ذرعا، وبعث إليه هدية يصانعه بها عن نفسه، فأخذها ولم يكف عنه. فلما توفي الملك الكامل ووقع الاتفاق بين السلطان غياث الدين - صاحب الروم - وبين صاحب حلب وصاحب ماردين وصاحب ميافارقين وأقطعهم بلاد الجزيرة عدلت الخوارزمية عن الملك الصالح إلى الملك المنصور - صاحب ماردين - فانحاز إلى سنجار خوفا منهم، فجمع بدر لدين عساكره ومن في بلد الموصل من التركمان ونزل على سنجار محصارا لها، فبعث الملك الصالح إلى ولده الملك المغيث عمر وهو بحصن كيفا وأمره أن يصير إلى حلب يستصرخ بعمته - أم الملك العزيز - فسار الملك المغيث وقصد قلعة جعبر وعبر الفرات قاصدا منبج. فلما سمعت الخوارزمية بمسيره تبعته، وحالت بينه وبين حلب، وقد تعدى منبج، فلما شعر بذلك حاد عن الطريق الجادة وقصد جسر العادل فعبر منه الفرات عائدا إلى الحصن، فصادفه بدر الدين أبو المحاسن يوسف - قاضي سنجار -. وكان الملك الصالح قد بعثه إلى السلطان غياث الدين يطلب منه أن يكون من جملة من انتمى إليه من الملوك ويخطب له في البلاد التي في يده بعد أبيه فلم يجبه. فقال: إن أدام بدر الدين على حصار أبيك أخذه، والمصلحة أن تسير بنا إلى الخوارزمية في دفعه عنه. فسار إليهم، وهم بحران. فقالوا له: لا نُنجدك حتى تسلم إلينا قلعة حران فسلمها إليهم وساروا معهم، فلما أحس بهم بدر الدين هرب، وترك أثقاله فنهبوها، وعادوا إلى حران.
ثم ترددت الرسل بين الملك الصالح وبدر الدين حتى استقرت الحال على أن لا يتعدى أحدٌ منهم على الآخر في البلاد التي بيده.
[ذكر ملك الملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق]
لما توفي السلطان الملك الكالم ناصر الدين محمد ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب بدمشق أجمعوا أمراء دولته - كما تقدم - على أن ولوا الملك الجواد مظفر الدين يونس ابن الملك المعظم شمس الدين مودود ابن الملك العادل - ابن أخيه - دمشق نيابة عن الملك العادل سيف الدين أبي بكر ابن الملك الكامل صاحب الديار المصرية بع أبيه الملك الكامل أنكر الملك العادل ولاية الملك الجواد لكونه أصرف الخزاين التي كانت صُحبة والده بدمشق فسيّر " من " أنكر عليه مع عماد الدين ابن الشيخ فحمله الخوف على أن كاتب الملك الصالح نجم الدين أيوب بأن يسلم إليه دمشق ويعوضه عنها بسنجار والرقة وعانا فأجابه.
ووصل نجم الدين أيوب إلى دمشق يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وستمائة وملكها. ثم واقع الملك الجواد الندم على تسليم دمشق فسار الملك الجواد من دمشق بالخزاين والأموال التي كان أخذها من دمشق وقصد الرقة، فعثر بنجّابٍ معه كتابٌ من الملك الصالخ إلى الخوارزمية يأمرهم بالقبض عليه. فأسرع إلى عانا وتسلمها خوفا " من أن " يسبقه النجاب، وأقام بها، فخرج بدر الدين لؤلؤ بعساكر الموصل ونزل على سنجار محاصرا لها. فبعث الملك الجواد إلى الخوارزمية مالا وتقدمة، وطلب منهم أن يرحِّلوا بدر الدين عن سنجار فساروا إليه، فلما أحسَّ بهم رحل عن سنجار فتسلمها واستقل بملكها.