وفيها: قصدها عماد الدين زنكي بنُ آق سنقر وحاصرها وضايقها وأشرف على أخذها، فبلغه قتلُ نائبه بالموصل فرحل عنها ضرورة، فوصل إليها حسامُ الدين تمرتاش بن نجم اليدن إيلغازي بن أُرتُق فأخذها وبقيت في يده إلى أن تسلمها منه نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي وأعطاها لشهاب الدين محمد بن إلياس بن إيلغازي بن أرتق، ولم تزل في يده إلى أن توفي سنة سبع وسبعين وخمسمائة.
ووليها بعده فخر الدولة ياقوت أرسلان فقصده عسكر قطب الدين إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق وحصره. فكاتب صلاح الدين ودخل في طاعته. فسيَّر صلاح الدين إلى قطب الدين فرحّله عنه وبقيت البيرة في يد ياقوت إلى أن توفي. وتولى ولده شهاب الدين محمد ولم تزل بيده إلى أن تسلمها الملك الظاهر غياث الدين غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بسبب أنه زوَّج أخاه الملك الزاهر داود بابنة شهاب الدين وتُدعى: سُفْرى خاتون. وكانت له بنت أخرى تُدعى: إلْتي خاتون تزوجها الأمير عز الدين عزيز ابن الأمير سيف الدين علي بن علم الدين سليمان ابن جندر.
ولما ملكها الملك الزاهر استولى على عمق البيرة ونهر الجوز وكفر سود والأوشين.
وبقيت في يده إلى أن توفي في صفر سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. فتسلمها ابن أخيه الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر وسلمها إليه قبل موته. ولم تزل في يده إلى أن توفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين فملكها ولده الملك الناصر وبقيت في يده إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة. فاستولى عليها هولاكو - ملك التتر - بعد حصار شديد، وأمدٍ مديدٍ، وولى فيها من قِبله.
ولم تزل في يده إلى أن كسر الملك المظفر سيف الدين قطز التركي المعزي - صاحب مصر - التتر على عين جالوت في شهر رمضان من السنة. فسير إلى حلب نائبا عنه علاء الدين علي بن بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل - فتسلم البيرة وولى عليها من قبله أسد الدين - حاجب الأمير حسام الدين جو كان دار -. ولم يزل بها مستمرا إلى أن ملك علم الدين الحلبي دمشق وقبض السلطان الملك الظاهر عليه، واستدعاه إلى مصر تحت الحوطة. وولا " هـ " حلب، وسار إلى حلب فكاتبه على أن يُسلِّم إليه القلعة على مال استقر بينهما، فتسلم المال ولم يُسلم القلعة وبقيت في يده إلى أن استدعى شمس الدين أقوش البرلي من حران وسلمها إليه.
ولم تزل في يه إلى أن قصدها مولانا السلطان الملك الظاهر، ركن الدين بيبرس في سنة ستين فتسلمها، واستمرت في أيدي نوابه إلى عصرنا الذي وضعنا فيه هذا التاريخ.
وقصتها التتر - خذلهم الله تعالى - وحاصروها ثلاثة دفوعٍ، يأتي ذكرها في تاريخنا المرتب على السنين، في سيرة السلطان الملك الظاهر - خلد الله ملكه -.
[ذكر ديار ربيعة من الجزيرة]
وقصبة مدنها نصيبين. وهي مدينةٌ في مستو من الأرض. ومخرج مائها من " شعب يعرف " ببالوسا، وهو أنوه مكان بها، ثم يبسط في بساتينها ومزارعها. ويدخل إلى كثيرٍ من دورها.
وبها عقارب قاتلة. وبقربها جبل ماردين وارتفاعه نحو فرسخين، عليه قلعة تُعرف بالباز الأشهب من بناء بني حمدان.
طالعها الأسدُ والشمس.
صاحب ساعة بنائها القمر.
طولها خمسٌ وسبعون درجة وثلاثون دقيقة.
عرضها سبعٌ وثلاثون درجة.
بها: مشهد علي بن أبي طالب - عليه السلام - وبها شجرة عُنّابٍ.
وبها: كفُّ عليٍّ - عليه السلام - في مسجد باب الروم.
وبها: مسجد أبي هريرة في محلة الزاهية، وعلى بابه حجرٌ فيه خط باليوناني، قد جُرب اوجع الظهر.
وبها: مشهد زين العابدين - عليه السلام -.
وبها: مشهد الرأس في سوق النشابين.
يقالُ: إن رأس الحُسين - عليه السلام - عُلّقَ به لما عبروا بالسبّي إلى الشام.
وبها: مشهد النُّقطة. يقال: إنه نقط من دم الرأس نقطةٌ هناك.
وبها: مسجد بني بكرة، وهو أول مسجد عُمر بها، وهو كان الجامع القديم.
وبها: مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الحضيرة.
وبها: مسجد باب سنجار، كان به مصحف عثمان - رضي الله عنه.
وبها: قبلة باب الناصر من الشرق قبر جُبير بن إسحاق.
قال البلاذري: فتح عياض بن غنم نصيبين بعد قتال على مثل صلح الرُّها.