لم يزل يليها من يلي ديار ربيعة منذ فتحت في صدر الإسلام إلى أن ملك تاج الدولة تتش ديار بكر، واستولى على كثير من بلاد ديار ربيعة، فلما قتله ابن أخيه بركياروق ابن ملكشاه استولى على ما كان بيده من البلاد، فوهب لمغن له يسمى لجا كسرى ماردين فلم يزل بها إلى أن أخذها منه ياقوتي ابن أرتق.
وسبب أخذها أن كربوقا - متولي الموصل من قبل بركياروق - قصد آمد وحارب صاحبها، فاستنجد بسقمان فسار حتى التقى بكربوقا. ووقعت بينهم معركة أجلت عن هزيمة سقمان وأسر أخاه ياقوتي بن أرتق، فحبسه بقلعة ماردين عند لجاكري، فمضت زوجة أرتق إلى كربوقا، وسألته في إطلاق ابنها فأطلقه، فنزل في ظاهر ماردين.
وكان من بنواحي ماردين من الأكراد قد طمعوا في صاحبها، فلا يزالون يشنون الغارات على أطرافها، فسير ياقوتي إليه يقول له: قد صار بيني وبينك مودة وصداقة، وأريد أن أعمر بلدك بأن أمنع عنه الأكراد، وآخذ أموالهم، وأعينك بها على مقاصدك، على أن أقيم في الربض، وتكون أنت في القلعة " وترتب " معي من أجنادك من أستظهر به. فأنعم له بما طلب. فجعل يغير في نواحي خلاط وأرمينية وكلما تحصل له من الكسب يقرفه في الأجناد، فاختدع بذلك أكثر أجناد ماردين، وصاروا معه. فرجع في بعض الأوقات من إغارة فقبض عليهم وقيدهم، وجاء بهم إلى القلعة، ونادى من بها من أهلها:" إن فتحتم الباب وإلا ضربت أعناق من معي " فامتنعوا، فقتل إنسانا منهم، فأذعنوا بتسليمها، فلما ملكها، وذلك في سنة ست وتسعين وأربعمائة، جمع جموعا وأغار بها على بلاد جكرمش، وملك رأس العين، وبقيت في يده إلى أن قتل في حرب كانت بينه وبين جكرمش، فاستولى على ما كان بيده، وبقيت في يده رأس العين إلى أن مات سنة ثمان وتسعين وأربعمائة، وملك بعده إيلغازي - أبن أخيه -. ولم تزل رأس العين بيده إلى أن توفي في شهر رمضان سنة ست عشرة وخمسمائة، وملك بعده ولده حسام الدين تمرتاش رأس العين فيما ملكه من البلاد. ولم تزل في يده إلى أن توفي في سنة سبع وأربعين، وولي بعده نجم الدين إلبي، ولم تزل في يده إلى أن مات. وملك بعده ولده إيلغازي ثم مات في سنة ثمانين وخمسمائة. وملك بعده حسام الدين يولق أرسلان، ولم يزل مالكا إلى أن قصد الملك العادل ماردين وولي في رأس العين ودنيسر ثم رحل عنها بعد أن حاصرها ولم يظفر منها بطائل في سنة خمس وتسعين، فاسترجع ما كان أخذ من بلاده. ثم عاد جيش الملك العادل إلى البلاد، ومقدمه الملك الأشرف وملك رأس العين، ثم وقعت بينهما على مال قرر، وأن يخطب للملك العادل في بلاده. ولم تزل رأس العين في يد حسام الدين.. إلى أن قتل في سنة ستمائة، وولي بعده أخوه إيلغازي، ولم يزل بها إلى أن قصده الملك الأشرف في سنة سبع عشرة، ومعه الملك الصالح وضايقه، ثم اتفقا على أن يعطي الملك الأشرف رأس العين وثلاثين ألف دينار، ويعوضه الموزر ولم تزل بعد في يد الملك الأشرف إلى أن دخلت في البلاد التي قايض بها أخاه الملك الكامل عن دمشق في سنة ست وعشرين. ولم تزل في يد نواب الملك الكامل إلى أن توفي في سنة خمس وثلاثين.
واستمرت في يد الملك الصالح نجم الدين أيوب - ولده - إلى أن استولى عليها الخوارزمية في سنة خمس وثلاثين. ولم تزل بأيديهم إلى أن كسرهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف - صاحب حلب - في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وأخذها، وولى فيها، واستمرت في يده إلى أن أقطعها الملك السعيد نجم الدين غازي ابن الملك المنصور ناصر الدين أرتق بن إيلغازي، وساتمرت بيده إلى أن توفي في سنة تسع وخمسين، وملك ولده الملك المظفر قرا أرسلان فصالح التتر على ما في يده من البلاد عندما قصدوها في السنة المذكورة. واستمرت رأس العين في يده إلى عصرنا الذي وضعنا فيه هذا التاريخ، وهو سنة خمس وسبعين وستمائة.
[قرقيسيا]
هي قصبة كورة الخابور، وعند مصب نهر الخابور في الفرات. وفي كورتها من البلاد: ماكسين، وعربان، والمجدل.
لم يتصل بعلمي من ملكها بعد خروجها عن أيدي بني قريش فيما طالعته من كتب التواريخ. إلى أن قرأت في تاريخ ابن الأثير.
قال في حوادث سنة أربع وعشرين وستمائة: مات الملك المظفر نور الدين محمود بن زنكي بن قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي - صاحب قرقيسيا - وكان الملك الأشرف قد أخذها منه وعوضه عنها.