كان السبب في أخذ سنجار أن الملك الجواد لما ملك سنجار شرع في مكاتبة الخوارزمية والتجائه إليهم والتقوي بهم. فخاف برد الدين لؤلؤ - صاحب الموصل - منه أن يتفق مع الخوارزمية ويقصده، فراسله وهاداه حتى أمن جانبه، واستأذن الإمام المستنصر في أخذها، وأوحى إليه أن الملك الجواد عازم على تسليمها إلى الخوارزمية فأذن له. ثم إن الملك الجواد شرع في إعمال الحيلة على بدر الدين - صاحب الموصل - فراسله وهاداه، وأظهر أن له بنتا، وهو يختارُ الوصلة إليه، ويسأله أحد أولاده، لتصير بينهم لُحمة نسب واتفاق. ولم يكن للملك الجواد ابنةٌ وإنما قصد بذلك فتح باب الحيلة على بدر الدين. وكان بدر الدين أيضا تحقق أن الملك الجواد ليس له بنت، فشرع أيضا في إعمال الحيلة عليه، ولم يُظهر أن عنده من ذلك علم. فأجابه إلى ما سال، وخطب إليه وحمل له مهرا يحمله مستكثره وقماشا، وما يجري مجرى ذلك.
فقال له الملك الجواد: إني عازم على التوجه إلى عانا فليأت إلى سنجار ويدخل على زوجته عندي، فأجاب بدر الدين لؤلؤ إلى ذلك، وجهز ابنه. وكان بسنجار رئيس له الأموال ليساعده على أخذ سنجار. وكان الملك الجواد قد تقدم إلى نوابه بسنجار أن يقبضوا عليه إذا دخلاه. فاتفق والي المدينة ووالي القلعة على ذلك. وكل واحد من الملك الجواد وبدر الدين لؤلؤ قد عمل الحيلة على صاحبه. فسيّر بدر الدين ولده يف جماعة من عسكره، وأوصاهم باليقظة واغتنام الفرصة في هجم سنجار على غفلة ممن فيها. فوصل إلى سنجار كما تقرر بينهما. فعند وصوله شرع والي المدينة في إعمال الحيلة عليه عند دخوله المدينة، فأمره والي القلعة أن يخرج إليه، ويحتال على صعوده إلى القلعة ليقبض عليه. فعندما فتح باب القلعة هجموا القلعة وقبضوا على واليها، وملكوها عفوا، وشربوا زلالها صفوا.
وكان بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل - شديد الحرص على تملكها. فلم يزل يعمل الحيلة إلى أن افتتحه الملك الجواد، فانفتح له باب الحيلة، وسيّر ولده إليه ليأمن على نفسه ويثق به. ولما بلغ الملك الجواد تملك بدر الدين لؤلؤ سنجار قصد بغداد مستعديا عليه. فلم يعبأ به، وأقام سبعة أشهر ثم أُعطي أربعة آلاف دينار، وأُمر بالسفر فأخذها وسار إلى عانا.
ولم تزل سنجار في يد بدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل - إلى أن توفي في الثالث من شعبان سنة سبع وخمسين فوليها ولده الملك الصالح ركن الدين إسماعيل مع الموصل وعملاه استقلالا.
وتولىّ الملك المجاهد سيف الدين إسحاق الجزيرة وبلادها وولده الملك المظفر علاء الدين على سنجار وتل يعفر.
ولم تزل سنجار في يد الملك المظفر بعد وفاة أبيه إلى شعبان من سنة سبع وخمسين فتركها، وقصد الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - قدس الله أرواحهم - فأقبل عليه وأكرمه.
[ذكر تملك الملك الصالح سنجار وترتيب ولده فيها]
لما خرج منها الملك المظفر علاء الدين، في التاريخ المقدم ذكره، ساق أخوه الملك الصالح ركن الدين إسماعيل إلى سنجار فتسلمها وتل يعفر وولىّ فيها ولده الملك العادل نور الدين. ولم تزل سنجار في يد الملك الصالح إلى أن استشعر من التتار وخرج من الموصل فوصل إلى قرقيسيا. وكتب إلى أخيه الملك المجاهد سيف الدين إسحاق، وكان بالجزيرة يومئذ، يعرف بحركته، ويشير عليه بقصد الملك الظاهر بالديار المصرية. ثم سافر إلى أن وصل القاهرة في ثاني عشر رجب فخرج الملك الظاهر إلى لقائه، وأكرمه، واحترمه، فأقام عنده بالديار المصرية إلى تاسع عشر شهر رمضان المعظم. فخرج الملك الظاهر - صاحب الديار المصرية - في التاريخ المذكور إلى البركة وخرج معه الخليفة المستنصر بالله، أبو القاسم أحمد بن الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله أبي العباس أحمد الواصل إلى الديار المصرية، ومبايعته بالخلافة، ووصلا إلى دمشق يوم الاثنين سابع ذي القعدة من السنة تسع وخمسين وستمائة.