" وفي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وصل إلى البلاد أمير يُسمى سلار خراسان ومعه خمسة آلاف فارس من عند السلطان طغرلبك فأغار على البلاد، فتلطف الوزير معه الحال على أن يحمل إليه ثلاثمائة ألف دينار ويرحل عنهم، فأجابهم، فأخرجوا إليه الأمير حسن - أخا الأمير - رهينة، ثم ركب ليدخل البلد من باب الهوة، فلما قاربه ندم واستراب وأراد العود فعلم الوزير منه ذلك، فقال: عليَّ بالأمير فضلون - أخي الأمير - والأمير بابك - أخيه الآخر - فلام حضرا أضافهم إلى الأمير حسن فطاب قلبه عند ذلك ".
[ذكر قتل سلار خراسان واخوة الأمير]
لما حصلت اخوة الأمير الثلاثة تحت يده " طاب قلبه ودخل البلد، فلما حصل في القصر لم يدخل معه من أصحابه غير عشرة نفر، فجلس. ثم إن الأمير اجتمع بالوزير وقال: ما الرأي؟ فقال: قبضُهُ. فقال: اخوتي معه، قال: هم أشد عداوة لك منه، وتشتري بهم ديار بكر.
فقبض عليه، فقال: غدرتم؟ قالوا: نعم! فقال: لا إله إلا الله، أخذ أعدائه بأعدائي!!، واختبط عسكره وأخذ أخوي الأمير فضُربت رقابهما على الدكة وأخذ الآخر، فشُد في ذنب مهر وأُرسل، فبقي يومين، ووقع به بعض الفلاحين فخلصه وعالجه فبرئ وعاش، ويقال: هو فضلون.
ثم خرجوا فنهبوا العسكر، واستغنى الناس وأُخرج سلار خراسان فضُربت رقبته، وخمسة نفر من أصحابه ".
واستقر نظام الدين في الإمارة، والوزير أبو طاهر بن الأنباري إلى سنة إحدى وستين وأربعمائة.
[ذكر قصد السلطان ألب أرسلان بن السلطان جغري بك الشام والسواحل]
" وفي هذه السنة قصد السلطان ألب أرسلان بن السلطان جغري بك الشام وفتح السواحل بعد وفاة عمه في سنة خمس وخمسين وأربعمائة. فنزل بالحرشفية وأخرج له نظام الدين الإقامة والجمال. ودخل خواجا نظام الملك ميافارقين، فأنزله الأمير بالقصر، وبالغ في إكرامه. وخرجت الست عزيزة والست زبيدة والست زينب - زوجة الأمير وأختاه - فدخلن على خواجا فضمن لهن الجميل وقال: والله لأخرجنه من ميافارقين أميرا وأعيده سلطانا فخرج معه إلى الحرشفية ".
" ولقي السلطان فأكرمه، وقاد له الجنائب وأعطاه أموالا كثيرة، وخلع عليه وعلى الوزير ورده إلى ميافارقين.
[ذكر خروج عساكر الروم وكسرهم]
" لما عاد نظام الدين من خدمة السلطان ألب أرسلان إلى ميافارقين وصل الخبر بأن الروم قد خرجت وقاربت خلاط فسار السلطان طالبا للعراق. فوصل إليه القاضي ابن مرد وجماعة من البلاد يعلمونه بوصول الروم، فقال: أرجع إلى العراق وأجمع العساكر وأعود فقالوا له: الله الله يا مولانا!! إلى أن تصل العراق قد ملك العدو إلى أذربيجان، فعاد من الموصل وصعد خلا، وترددت الرسل بينهما. وكانت الروم خلقا لا يحصى يقال: إنهم كانوا ثلاثمائة ألف. وكان المسلمون أقل من عشرهم، فنفذ ابن المحلبان رسولا إلى ملك الروم فقال له: أخبرني: أيهما أطيب إصبهان أو همذان؟ وفي أيهما المقام أطيب؟ فقد قيل لي إن همذان شديدة البرد. فقال: هو كذلك. فقال: نُشتِّي نحن بإصبهان وتشتي الكراع بهمذان. فقال له: أما الكراع فيشتي بهمذان صحيح. وأما أنت فلا أعلم ذلك!! ثم عاد.
فلما كان يوم الجمعة ضايق السلطان الوقت إلى أن حانت صلاة الجمعة فركب وأمر الناس بالحملة فقالوا: مالنا طاقة بهذا الجم الغفير، فقال السلطان: اليوم الجمعة، وفي هذه الساعة ليس في الإسلام منبر إلا ويقال عليه: اللهم انصر جيوش المسلمين، فلعل الله أن يستجيب من واحد منهم، وحمل على الروم وكانت الكرة للمسلمين. فقتلوا خلقا عظيما، وغنموا ما لا يحصره العدد. واقتسم الذهب والفضة بالأرطال، واستغني أهل خلاط من ذلك اليوم. وكانت في سنة ثلاث وستين.
[ذكر وفاة السلطان ألب أرسلان]
وفي سنة خمس وستين وأربعمائة توفي السلطان ألب أرسلان بن السلطان جغري بك بإصبهان، وولي ولده ملك شاه. ولم يُر سلطان أعدل منه.
وفي سنة ثمان وستين وأربع مائة مات القاضي أبو نصر بن جرجور بميافارقين فجأة، وانتدب لقضائها جماعة، ووقع الاختيار على رجل من أهل إسعرد يسمى محمد ويُكنى بأبي بكر بن علي بن صدقة لنيابة الحكم وعناية الوزير.
[ذكر وفاة الأمير نظام الدين]
وبقي نظام الدين في الإمارة مستقرا، وكان خفيف الوطأة، كثير الإحسان، عادلا. ولم تر ميافارقين أعمر ولا أحسن ما كان في أيامه.