ثم وصل السلطان إلى " الطور " يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى، وكاتب المغيث بالحضور إليه فسوف، ووعد بالحضور، ثم وصل بعد مدافعة كثيرة في سادس عشري جمادى الأولى. وعند وصوله قبض عليه السّلطان، وكان الملك الأشرف صاحب حمص حاضراً في العسكر فأحضروه، وأحضر أكابر الأمراء وأحضر الملك المغيث، وأحضر كتبه إلى التتر، والفتاوى، والقصّاد الذين كانوا يسفرون بينه وبين هولاكوا فعذره، ولم يكن يعرف الباطن في قبضه عليه. ثم بعثه مع الأمير شمس الدين آق سنقر السلحدار الفارقاني أستاذ الدار، فوصل به إلى قلعة القاهرة فحبسه فيها، وكان آخر العهد به، وكان مولده يوم الأربعاء حادي عشر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين.
وسار السلطان إلى " الكرك " وتسلّمه يوم الخميس ثالث عشري جمادى الآخرة، بعد قواعد تقرَّرتْ بينه وبين نّواب الملك المغيث، ودخله السلطان يوم الجمعة ورتَّب فيه من قبله نائباً الأمير عز الدين إيدمر مملوكه وأستاذ داره، وشيده، وحصّنه، وزاد فيه، وحفر خندقه، وأحاط به، ولم يكن فبل ذلك كذلك، ونقل إليه خزائنه وذخائره.
ولم يزل فيه عز الدين متوليه إلى أن عُزل عنه، وولي دمشق، وجعل عوضه منه مملوكه علاء الدين أيدكين الشهابي وذلك في المحرم سنة سبعين. وهو به إلى الوقت الّذي وضعنا فيه هذا التاريخ.
وأما الشوبك: فإني لم أعثر له على ذكرٍ في كتاب من كتب التواريخ المصنفة في صدر الإسلام.
والظاهر أن الحال فيه كالحال في " الكرك " في بنائه، وتملّك الفرنج له، إلى أن فُتح في الوقت الذي فُتح فيه الكرك بعد حصار سنتين وأقطع معه للملك العادل.
ولم يزال في يده إلى أن أعطاه ولده الملك المعظم شرف الدين عيسى فحصنه وحسّنه، ونقل إليه الأشجار من سائر الأقطار حتى صار يضاهي دمشق في روائها، وتدفق مياهها، وطيب هوائها.
ولم تزال في يده إلى أن توفي في ذي القعدة سنة أربع وعشرين، وانتقلت إلى ولده الملك الناصر داود.
ولم تزال في يده إلى أن سأله إياه الملك الكامل في مجلس شراب فخرج له به.
وبقي في يد الملك الكامل إلى أن مات، فقصده الملك الناصر وتعذّرت استعادته عليه.
وبقي في يد الملك العادل إلى أن يقبض عليه. وملك الملك الصالح نجم الدين أيوب أخوه، فاستولى على " الشوبك " وبقي في يده إلى أن مات.
واستولى الملك المغيث ابن الملك العادل عليه عند استيلائه على " الكرك ". ولم يزل في يده إلى أن ملك مولانا الملك الظَّاهر ركن الدين، فسيّر إليه عسكراً فتسلَّمه من صارم الدين قايماز الناصري، وكان نائبا فيه عن الملك المغيث بباطنٍ كان معه، في شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين وستمائة، ونوابه فيه متصرفون، إلى عصرنا الموضوع فيه هذا الكتاب.
[كورة الشراة]
ومدينتها أذرح وبها بايع الحسن - عليه السًّلام - معاوية وفي هذه الكورة الحميمة وبها كانت منازل بني علي ابن عبد الله بن عباس.
[وأرض البلقاء]
وفيها مُآب، وعمان.
قال البلاذري: " وسار يزيد بن أبي سفيان إلى " عمان "، ففتحها على مثل صلح بُصرى، وغلب على أرض البلقاء.
وقال أيضا: " وتوجه أبو عبيدة بن الجراح في جماعة كثيفة من المسلمين الذين كانوا مع الأمراء فأتى " مآب " وبها العدوّ، فافتتحها على مثل صُلح بُصرى.
[قلعة الصلت]
وفي هذه الأرض قلعة الصلْت وهي محدثة. ولها عمل متسع بناها الملك المعظم شرف الدين عيسى ابن الملك العادل. ويقال في سبب بنائه لها أنه عبرت له جوار فخرج عليهنّ طائفة يقال لهم بنو رحمان من قرية تعرف " بكفر يهوذا " فسبوا الجواري، وأخذوا منهن جماعةً.
فلما بلغ المعظم شن عليهم غارة بنفسه فاستأصلهم، وأمر ببناء برج قريباً منهم. فبُنى على قبة جبل يعرف برأس الأمير " قلعة الصلت "، وحصنها، وكان في مكانها شَعْراء ملتفة الأشجار، فقطعها.
ولم تزل في يد الملك المعظم إلى أن توفي في ذي القعدة سنة أربع وعشرين وستمائة، فانتقلت لولده الملك الناصر، وبقيت في يده إلى أن تسلمها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب في ذي الحجة سنة أربع وأربعين.
وبقيت في يده، ثم في يد ولده الملك المعظّم إلى أن قُتل في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة.