وقُبض على يونس والقاضي وحُملا إلى عضد الدولة، وقيل: ضُربت رقابهم بميافارقين على الباب، وهو صحيح. وانهزم الغضنفر أبو تغلب وأخته جميلة إلى الرحبة ومن كان معهم من النساء. وسار أبو الوفاء إلى آمد وحاصرها إلى أن فتحها بعد جهد جهيد وقتال شديد.
هذا آخر كلام أحمد بن يوسف بن الأزرق صاحب تاريخ ميافارقين وآمد ".
[ذكر ملك باد الكردي ميافارقين وآمد]
لم يذكر ابن الأزرق باد الكردي ولا أنه ملك ميافارقين ولا آمد ولم يجرِ له ذكراً.
قال ابن الأثير: وفي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، " قيو أمر باد الكردي واسمه أبو عبد الله الحسين بن دوستك، وهو من الأكراد الحُميدية، وكان في ابتداء أمره، كثير الغزو لثغور ديار بكر، وكان عظيم الخلقة ذا بأس وشدة ".
فلما مات عضد الدولة في السنة الخالية استفحل أمره وقوي واجتمع إليه عالم، وقصد آمد وميافارقين وملكهما وديار بكر ولم يزل مالكا لها إلى أن دخلت سنة ثمانين وثلاثمائة.
ولما ملك آمد وميافارقين ولى من قبله أبا علي الحسن بن علي التميمي ولم يزل عليهما مدة ملك باد الكردي لديار بكر إلى أن جرت معه وقعة بين باد وبين صاحب الموصل فقتل فيها. واستمر أبو علي الحسن بن علي التميمي " في " ديار بكر.
[ذكر ابتداء ملك ابن دمنة آمد]
قد تقدم القول أن آمد وميافارقين كان بهما جماعة من الخراسانية والديلم، وأنهم كانوا يؤذون الناس، وينظرون إلى أخذ أموالهم، والتعرض لحريمهم، ويسيئون العِشرة معهم، والحسن التميمي مساعد لهم على ذلك. وكان الديلم يجتمعون تحت قبة بالسوق، فاتفق أن خرجت امرأة من حمام الحطابين فوثب واحد من جماعة الديلم سكران. فجذب المرأة وقبلها، فصاحت واجتمع الناس وخلصوها منه. ومضت إلى زوجها، وكان قصابا، فأعلمته بالحال وقالت: إما أن تكونوا رجالا وتحمون النساء، وإلا فألزموا البيوت وكونوا نساء. وأنا فقد حفظت نفسي، فإن كان فيكم نخوة فستظهر.
وكان بآمد شيخ يُعرف بعبد البِّر، وهو شيخ البلد، يُرجع إلى رأيه. فاجتمع جماعة من أهل البلد وقصدوا الشيخ عبد البر وشكوا حالهم إليه. فأشار عليهم بقتل أبي علي الحسن التميمي، فقالوا: كيف السبيل إلى قتله؟. قال: إذا دخل الدركاه بالقصر فانثروا عليه الدراهم، واقصدوا بها وجهه، فسيستر وجهه عند ذلك، فثبوا عليه حينئذ وقتلوه. فلما دخل القصر فعلوا ما قال لهم، ونثروا عليه الدراهم، وقصدوا بها وجهه، فجعل يستر وجهه فوثبوا عليه. وكان فيهم رجل يُعرف بابن دمنة حمالا، وكان ذا بأس ونجدة، وقوة نفس، فهجم عليه وباشر قتله وحز رأسه ورمى به إلى جماعة من الديلم، فلما عاينوا الرأس انهزموا وقصدوا ميافارقين وقال عبد البر - شيخ البلد - عند ذلك: يا أهل آمد! أنا قد قتلته لكم، فمن أطاعني كنت له، ومن عصاني فالأمر إليه. فلما رأى أهل البلد ذلك حاروا، وأجاب الجميع بالسمع والطاعة فاستحلفهم واستولى على آمد، وقبض ما بها من الخزائن، وعلا شأن ابن دمنة عنده إلى أن زوجه بابنته.
وأما أصحاب التميمي فإنهم لما وصلوا إلى ميافارقين لم يخف على النائب بها أنهم خائفون، فأنكر ذلك، وقال لهم: لا يكون الأمير قد عدم، فإن كان حيا فالبلاد بلاده، وإن كان قد عدم عملنا رأينا.
[ذكر قتل عبد البر وتمليك ابن دمنة]
وأما ابن دمنة فإنه واقعه الحسد لعبد البر لكونه كان هو المباشر للقتل، والأمر والنهي لغيره. فاصطنع لعبد البر دعوة ودعاه إليها، وأعمل الحيلة إلى أن قتله وخرج إلى أهل البلد برأسه وقال لهم: إن هذا الشيخ كان قد عزم على قتلي وقتل أكابركم، وقد بدأت به وقتلته. ورمى برأسه إليهم، فلما رأوا الرأس أجابوه بالسمع والطاعة. فاستحلفهم وفتح الخزائن وفرق الأموال، وأحسن إلى أهل آمد وعمرها وحصنها وحسنها.
وكان المعتضد لما حاصرها هدم من شراريفها مواضع، فعاد ابن دمنة رمّها وعلّى سورها.
ومن عجائب الاتفاقات أن ابن دمنة كان أولا حمالا وأنه حمل يوما كارة حنطة، ودخل بها بين السورين، فتركها عن ظهره وجلس يستريح فجعل ينظر إلى السور وما هو عليه من حُسن العمارة والحصانة وإحكام البناء فقال: ما أحسنه وأحصنه؟! لولا قِصرٌ فيه، لئن ملكني الله هذه المدينة لأزيدن في سورها ارتفاع قامة. فاتفق أن الله ملكه البلد فوفى بنذره وزار في ارتفاع السور، والزيادة ظاهرة إلى الآن تُرى به.