واستمرت الرقة في يد سيف الدين إلى أن خرج إليه ابن حسان فأقطعه إياها في سنة إحدى وسبعين، واستمرت في يده إلى أن انتزعها منه الملك الناصر صلاح الدين يوسف في سنة ثمان وسبعين. ولما تسلم حلب من عماد الدين زنكي في سادس عشر صفر سنة تسع وسبعين، عوضه عنها سنجار والخابور والرقة ونصيبين، فأقطع عماد الدين الرقة لعز الدين طمان، فإنه الذي توسط بينهما. ولم تزل بيده إلى أن توفي الملك الناصر صلاح الدين سنة تسع وثمانين فاتفق عز الدين مسعود - صاحب الموصل - وسيف الدين بكتمر - صاحب خلاط - وخطبا لكيفاذ - صاحب بلاد الروم - وخرج من بلاده معاضدا لهما ومساعدا، وسار إلى ديار مضر فسار الملك العادل في عسكر من حمص وعسكر من دمشق وعسكر من حلب لدفعهما عن البلاد، فاتفق أن عز الدين مسعود مرض وعاد إلى الموصل ومات. ووثب غلمان بكتمر عليه فقتلوه. ومات كيقباذ - صاحب بلاد الروم - بسيواس فاستولى الملك العادل على حران وسروج، وصار إلى الرقة، فأخذها بعد حصار من عز الدين طمان في العشرين من شهر رجب سنة تسع وثمانين وولى فيها. ثم أقطعها لولده الملك الأشرف موسى وبقيت في يده إلى أن سار وصاحب آمد نجدة لبدر الدين لؤلؤ - صاحب الموصل - فأخذ سنجار من صاحبها، وعوضه عنها بالرقة وذلك في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة ثم استعادها منه، ولم تزل في يده إلى أن وقعت المقايضة بينه وبين أخيه بالرقة والبلاد التي قدمنا ذكرها في حران عن دمش في شهر رمضان سنة ست وعشرين، ولم تزل في يد نواب الملك الكامل إلى أن كسره كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان - صاحب بلاد الروم -.
واستولى على ما كان بيده من بلاد الجزيرة، وبقيت حران في يده إلى أن عاد الملك الكامل واستعادها من نواب صاحب الروم وولاها ولده الملك الصالح نجم الدين أيوب فيما ولاه من بلاد الجزيرة، وبقيت في يده إلى أن توفي الملك الكامل في سنة خمس وثلاثين.
فاستبد بما في يده إلى أن قابض الملك الجواد مظفر الدين يونس بن ممدود عن دمشق بسنجار وعانا والرقة وكانت إقطاعا لصاروخان الخوارزمي، وبقيت الرقة في يده أياما، فوصلت الخوارزمية فأخرجوه منها، واستمرت في أيديهم إلى أن كسرهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف - صاحب حلب - في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين واستولى عليها وولىّ فيها. ولم تزل في يده إلى أن أقطعها الأمير حسام الدين الحسن بن أبي الفوارس القيمري في سنة تسع وثلاثين. وبقيت في يده إلى أن استعادها منه لما ملك دمشق وأقطعها في سنة تسع وأربعين الأمير مجاهد الدين بن قليج، واستمرت في يده إلى أن مات في سنة اثنتين وخمسين فأقطعها الملك الصالح إسماعيل ابن الملك المجاهد - صاحب حمص - ثم استعادها منه في سنة خمس وخمسين ولم يقطعها بعد، وبقيت في خاصته إلى أن انقرضت دولته بعد ذلك واستولى التتر على البلاد، فخربوا الرقة ولم يسكن بها أحد بعد ذلك إلى عصرنا الذي وضعنا فيه هذا الكتاب. فهي كما قيل:
كَأنْ لَمْ يَكُنْ بينَ الحجُون إلى الصَّف ... أَنيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكّةَ سَامِرُ
ذكر الرُّها
قال ابن الكلبي: سميت الرها برها بن السندباد بن مالك ذعر بن يويب بن عيفا بن مدين بن إبراهيم. ويقال: إن ماني الزنديق بن فتق بني الرها.
وقرأت في تاريخ محبوب بن قسطنطين الرومي المنبجي أن في سنة أربع وثمانين من مولد أرعو وعشر سنين مضت من الألف الثالثة قام الملك الأول على جميع الأرض ببابل نمروذ بن كنعان " بن حام " فملك تسعا وستين سنة، وكان إكليله منسوجا لم يكن من ذهب، وأنه بنى من المدن أراح وأحا وكيلا، التي هي الرها ونصيبين والسلوقية.
وفي السنة الثالثة من سني بطلميوس بن أرنب بن سلقوس بنيت أفامية وحلب وقنسرين والرها وسلوقية واللاذقية.
ونقلت من كتاب نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق.
مدينة الرها بقعة تتصل بمدينة حران، وسطة من المدن، أكثر أهلها نصارى، وبها لهم ما يناهز ثلاثمائة بيعة ودير منها: كنيسة هي إحدى عجائب الدنيا، بنتها هيلاني - أم قسطنطين -.
وقال ابن أبي يعقوب: والرها مدينة رومية، ذات عيون كثيرة، تجري منها الأنهار.
وأخبرني من رآها أن لها سورا من حجر يحيط بأشجار وأرحاء وبساتين.
وتجري في المدينة عينان: تسمى إحداهما: العين الطويلة والأخرى: العين المدورة.
ولها ثلاث أبواب: