وكان بها قوم من الباطنية فأمر بإخراجهم على الوجه الجميل.
ولم تزل يد شمس الدين عليها إلى أن توفي نور الدين في سنة تسع وستين. وملك ولده الملك الصالح إسماعيل ووصل من دمشق إلى حلب.
في سنة سعين: قبض على شمس الدين واخوته. وكان ينوب عن نور الدين في حلب. وولى فيها.
ولما كانت سنة اثنتين وسبعين حاصر صلاح الدين حلب ورحل عنها عن صلح وقع.
فشفع في شمس الدين واخوته فأطلقهم، ولم يبق بأيديهم مما كان نور الدين أقطعهم غير قلعة جعبر في يد شمس الدين وشيزر في يد سابق الدين عثمان.
ولم تزل قلعة جعبر بيده إلى أن توفي سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
وولي ولده علاء الدين يوسف ولم يزل بها إلى أن مات بها.
وتسلمها الملك الظاهر غياث الدين غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين بوصية منه، إما في سنة ست وثمانين، أو سبع وثمانين وخمسمائة فولى فيها غلامه بدر الدين أيد مر - المعروف بالوالي -.
وبقيت في يد الملك الظاهر إلى أن تسلمها الملك العادل سيف الدين، أبو بكر محمد بن أيوب. وكان السبب في تسلميها أن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه لما توفي أقطع الملك الناصر صلاح الدين ما كان في يده من بلاد الجزيرة أخاه الملك العادل، فطلب منه قلعة جعبر فامتنع عليه، وكره أن ينزعها من يد ولده. وجعل يسوفه ويعده ويمنيه، وهو مع ذلك يتوسل إليه بالشفاعات حتى أبرمه، فسير إلى الملك الظاهر يأمره بتسليمها له، وأن ينزل عنها فأنفذ الملك الظاهر إلى الوالي بها يأمره بتسليمها إلى نواب الملك العادل ولم ينفذ إليه بعلامة يثق بها ويستند إليها؛ وإنما فعل ذلك ليسوف الأوقات، ويدافع الساعات، والملك العادل يجد في طلبها، ورسله في ذلك لا تنقطع، حتى الجأ الملك الظاهر إلى تسليمها وأعطى لنواب الملك العادل العلامة التي كانت بينه وبين الوالي. فحدث أن مات الملك الناصر في اليوم الذي تسلمها. وكان أول مبادي سعادة الملك العادل.
ولم تزل في أيدي نوابه إلى أن استناب فيها الملك الحافظ في سنة خمس عشرة وستمائة فاستولى ولده الملك الحافظ نور الدين أرسلان عليها، وبقيت في يده إلى أن تسلمها منه الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز - صاحب حلب - في صفر سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وعوضه عنها بعزاز.
وكان السبب في ذلك أن الخوارزمية وضعوا أيديهم على أرشين من بلاد البيرة في سنة سبع وثلاثين وطمعوا فيما عداها. وكثر إجحافهم بأطراف ضواحي قلعة جعبر، والملك الحافظ يداريهم ويبذل لهم الأموال، وهم مع ذلك لا ينفكون عن الفساد.
واتفق " أن " أصابه " فالجٌ "، وحصلت بينه وبين ولده تقي الدين مسعود وحشة خرج من أجلها تقي الدين إلى الخوارزمية، ومعه رجل يُقال له ابنُ قاضي نابلس وقصداهُم بحران وأطماعهم في قلعة جعبر وغيرها، وأوحيا إليهم أن أموال أهل بالس مودعة عند الملك الحافظ فسيَّروا إليه، وطلبوا منه المال وتوعدوه إن لم يعطه، فخاف، وأرسل إلى أخته الملكة بحلب، وطلب منها التعويض عن قلعة جعبر وبالس بما يعمل له مقدار ارتفاعهما فجرى ما ذكرناه.
وسيَّرت الأمير ناصح الدين أبا المعالي الفارسي فتسلم منه القلعة، وخرج الملك الحافظ فدخل حلب، فأُكرم وأُنزل في الدار المعروفة قديما بدار صاحب عين تاب.
واستمرت في مملكة الناصر صلاح الدين إلى أن استولى التترُ على البلاد، وتسلموها من الوالي بها يومئذ، وكان عماد الدين أحمد بن أبي القاسم بما فيها من غير حصار لها، وإنما عماد الدين سار إلى هولاكو وهو بحارم بمفاتيحها وهدية فأخربوها وحاضرها، ولم يُبقِ بها إلاّ مساكن، ثم نزح بعد ذلك من كان بها.
[البيرة]
قلعةٌ حصينةٌ على جبل مُشرف على الفرات، من شرقيها إلى الطول ما هيُّ، لها مما يلي الفرات حائطٌ ممتدٌ، ومما يلي البرِّ سورٌ وأبرجةٌ.
طولها: اثنتان وسبعون درجة وثلاثون دقيقة.
وعرضها: سبعٌ وثلاثون درجة.
لم يتصل بعلمي شيء من أخبارها فيما طالعته من كتب التواريخ المصنفة في صدر الإسلام.
والذي أحطتُ به علما أن بغدوين نزل عليها في سنة سبع عشرة وخمسمائة وأخذ أهلها أسرى. ولم تزل يف أيدي الفرنج إلى سنة تسع وثلاثين.