ثم سار منها إلى حرَّان فنزل في دار العافية. فلما اتصل بالملك النار - صاحب " حلب " - نزوله بحرَّان. تقدم إلى نوابه بها أن يعرضوا عليه النزول يف القلعة فأبى. وقال: م أشُكُ في شفقة السلطان وإحسانه.
وقصدت التتر ميافارقين فنازلوها وضايقوها. ووصلت غاراتهم إلى بلد ماردين وبلد آمد، فراسلهم النائب بميافارقين وصانعهم بمال فرحلوا عنها، وعاد إليها الملك المظفر شهاب الدين غازي.
[ذكر وفاة الملك المظفر شهاب الدين غازي صاحب ميافارقين]
وفي سنة خمس وأربعين وستمائة تُوفي الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الملك العادل سيف الدين أبي بكر لن أيوب، صاحب ميافارقين. في يوم الاثنين ثامن شعبان، وقيل: رجب منها، وترك من الأولاد ثلاثة وهم: - الملك الأفضل نور الدين علي - وهو الأكبر -.
- والملك الكامل ناصر الدين محمد - وهو الأوسط -.
- والملك الأشرف موسى.
ولما حضرته الوفاة أوصى بالملك لولده الملك الأفضل، وجعل تدبيره لعز الدين أبيك - مملوكه - فلما مات طمع الملك الأفضل في الملك، فأخرج من ميافارقين وسار إلى ماردين فأقام بها إلى أن توفي.
واستقل الملك الكامل بالملك، وبعث رسولا إلى حلب يعلم بوفاة أبيه، ويرغب إلى الملك الناصر في أن يستمر به على القاعدة التي كانت بينه وبين أبيه، فجلس الملك الناصر في العزاء. ثم بعث الزين الحافظي إليه بإجابته إلى ما سأل. " وأرسل له " على يده خلعة وسنجقا.
وكان شهاب الدين غازي - رحمه الله - شجاعا كريما، عالي الهمة، قوي النفس، له وقائع مشهورة. وكان قد نيف على الخمسين سنة.
[ذكر نزول التتر على ميافارقين ثاني مرة ورحيلهم عنها]
وفي سنة خمسين " وستمائة " في ربيع الأول منها، نزل بايجونوين على ميافارقين. وكان الملك الكامل لما بلغه قصد التتر بلده رحل عن ميافارقين واستخلف عليها العتمي واستصحب معه أهله، فرتب معه الأمير عز الدين أبيك - الساقي الأتابك - دليلا يعرف بالناصح بن جندر. وكانت إليه ولاية البر، وأوصاه أن يأخذ به طريق الحصن، ليأخذ هو طريق القريشية فيتحصن بها. فسار الملك الكامل إلى جهة حصن كيفا. وأخذ عز الدين أبيك طريق القريشية، فلما وصلها قال له متوليها: إن كان معك الملك الكامل، وإلا لن أفتح لك. وبعث من القلعة من كشف له. هل هو معه أم لا؟. فلما تحقق أنه ماهو معه لم يمكنه من الصعود.
وأما الملك الكامل فإنه توجه به الدليل إلى حصن كيفا فأقام عند صاحبه الملك الموحد. وبعث أخاه الملك الأشرف إلى باتو وقصده في منع بايجونوين عن بلاده، وإن كان نزل على بلده فيرحله عنه. فأجابه إلى ما سأل. وشرط عليه أنه متى رحل عنه بايجونوين وأن يصير إليه ليوجهه إلى منكوقا آن وعاد الملك الأشرف فوجد بايجونوين قد نزل على ميافارقين وله عليها أحد عشر يوما. فأورد عليه رسالة باتوخان إليه، فرحل عنها.
ولما بلغ الملك الكامل رحيله خرج من الحصن وقصد القريشية عز الدين أيبك - الساقي فلم ينكر عليه مفارقته له. وكان قد رتب بميافارقين أمراء وأجناد عند خروجه منها لحفظها. فلما رحل عنها خرجوا على أنهم يكشفون أخبار التتر فهربوا، وتفرقوا في الجبال، إلى " أن " بلغهم رحيل التتر عن ميافارقين فقصدوا القريشية ليتفقوا مع عز الدين أيبك - الساقي - ويملكوه، فالتقى بهم، فأوجس ذلك " خيفة " فلم برهم أن عنده وهما من ذلك، وعمل لهم دعوة وأحضرهم فقبض عليهم وهم: الأمير سبف الدين بلبان الثورمزي وشمس الدين سرا سنقر وصارم الدين علكان وناصر الدين برايدن وصارم الدين أزبك الخوارزمي وحبسهم في قلعة أرزن. وأراد قبض عز الدين أبيك فهرب إلى بلاد الروم وأقام بها إلى أن مات.
[ذكر توجه الملك الكامل إلى منكوقاآن]
لما استقر الملك الكامل بميافارقين، وقبض على من ذكرنا من الأمراء. وكان قد تقرر الأمر بينه وبين باتو على يد أخيه الملك الأشرف أنّه متى رحل بايجونوين عن ميافارقين أن يصير إليه ليوجهه إلى منكوقاآن في بقية السنة التي هي سنة خمسين وستمائة.