وكان الممهد أعطى لشروة حصن الهتاخ وكان مطلا على مستنزهات. وكان الأمير يخرج إليه أيام الربيع، فيقيم به أياما يتصيد ويتنزه ظاهره. فلما أن جاء الربيع جاءه شروة في الصيد والأكل والشرب. وحمل إليهم ابن فيلوس شيئا عظيما من الإقامة. فجلسوا يوما للشرب، فرتب ابن فيلوس على الباب جماعة من الجند، وأمرهم ألا يُمكِّنوا أحدا من الدخول إليهم، وأقبلوا على الأكل والشرب، والأمير متوفر على مسرّته، ويحلف على شروة بالجلوس، وهو يقبل الأرض ولا يفعل ويناوله القدح ويشرب بيسارة. وكلما سكر واحد من الجماعة من بني عم الأمير وأصحابه قد أخذه شروة وأخرجه كأنه يمضي به إلى منامه، فقبض عليه ويُريه أن هذا برأي الأمير، إلى أن لم يبق غير المغنين وثلاثة نفر وخادم على رأسه يسمى شرقا. فلما ظهر السكر في وجهه قال له شروة: إن رأى مولانا أن ينهض إلى منامه. فقال: قد بقي لي هذا القدح، أشربه أنا وأنت بحياتي عليك!! قال: السمع والطاعة، فشرباه. ثم انتقل الأمير إلى مجلس منامه وأذخ الخادم رجليه في حجزه يغمزها فقال ابن فيلوس لشروة: قد أمكنتك الفرصة وهذا وقتك!! فقال: والله ما تطاوعني نفسي على ذلك، فقال له: لابد من ذلك وإلا هلكنا جميعا. فقال شروة: أنا لا أفعل ولكن إذا أردت أنت فافعل. فدخل ابن فيلوس وبيده سيف مجرد فأحس به الأمير فقال: ما دخولك في هذا الوقت؟! فقال: دخلت إلى الخدمة فقال: اذهب ولا تعد فوقف موضعه، فوثب الأمير يطلب سيفه، وكان لا يفارقه فلم يجده، فقال: ياشروة! أين السيف؟ فوثب شروة وأخذ السيف وضرب به الأمير حلَّ عاتقه فقال: ياشروة عملتها عليَّ! واتبعت غرض ابن فيلوس ولاله لا أفلحت بعده!.
ثم قبضوا على الخادم وأيقظ شروة من يأمنه من الجند وأعلمهم بما جرى، واستحلف الخادم وأطلقه، وأطلق من الجماعة من وثق به، وسار في باقي ليلته إلى ميافارقين مجدا، فوصلها وقت السحر. وكان الحراس بها والحفّاظ لا يفتحون الباب إذا عاد الأمير في مثل ذلك الوقت حتى يعاينوا الخادم، فلما وصلوا صاحوا إليهم الخادم فنزلوا وفتحوا الباب ودخل شروة وابن فيلوس وبين أيديهما المشاعل والجند. فلما لم يروا الأمير مسكوا شروة وألقوه عن فرسه، فعاد عليهم ابن فيلوس وقتل منهم ثلاثة نفر، ودخل شروة وأصحابه وابن فيلوس البلد ونزلوا بقصر بني حمدان، وكان الممهد نازلا به، واستولى على الخزائن.
وسير من الغد سرية، فيها خمسمائة فارس، ليقبضوا على الأمير أبي نصر - أخي الأمير - بإسعرد. وكان لما قُتل الأمير أبو علي مع أخيه أبي منصور غائبا. فلما عاد وملك الممهد وبقي عنده مدة، فقال له يوما: يا أخي رأيت البارحة كأن القمر وقع في حجري. فقال له: هذه الرؤيا تدل على أنك تملك الملك فلا تُريني وجهك وأعطاه أسرد فتوجه إليها، ولم يرَ أخاه مدة حياته.
وكان أخوه إذا عوتب في أمره يقول: رأيت في منامي كأن الشمس سقطت في حجري، فوثب أخي فناهبني إياها وأخذها من حجري فمالي قُدرة على رؤيته.
وكانت الحنطة يومئذ يساوي الجريب عشرة دنانير، فقال الأمير أبو نصر: اللهم إن مُلكت الملك لأتصدقن كل يوم بجريب حنطة في الجامع.
وكانت ولاية الممهد أربع عشرة سنة، من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة إلى إحدى وأربعمائة.
[ذكر ولاية نصر الدولة أبي نصر بن مروان]
ولما سير شروة السرية لقبض الأمير أبي نصر بأسعرد نفذ فتسلم جميع الحصون بخاتم الأمير.
ونقذ سرية مع عبد الرحمن بن أبي الورد الدنبلي إلى أرزن، وكان بها رجل شيخ متقدم يسمى خواجا أبا القاسم. وكان أعجميا من إصبهان من مدن ولاية الأمير علي " و " الممهد. وكان ذا رأي وعقل وتدبير، فحضر عبد الرحمن عنده، وتحدث معه ومع أصحابه، فلم يقدر أن يسند منهم أحدا.
ثم إنهما خرجا إلى الصيد، فانفرد خواجا أبو القاسم فرأى رجلا مجدا، فلحقه وقال: ما وراءك؟!.
فقال: إن شروة قتل الأمير وملك ميافارقين وقد مسك الطرقات لئلا يشيع الخبر. وقد سير سرية لقبض الأمير أبي نصر وأنا ماض أعلمه بذلك.
فوجم خواجا من ذلك، وعاد إلى عبد الرحمن وخدعه إلى أن صعد القلعة، فندم عبد الرحمن على تمكينه من صعود القلعة.