ولم تزل في " صرخد " في يده إلى أن تسلمها منه الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل في سنة أربع وأربعين وستمائة، وعوّضه عنها قرقيسيا والخابور، وكانتا في يد الملك الناصر صلاح الدين صاحب حلب، فوصل رسولا الملك الصالح، وهما: فخر الدين ابن السكري وشهاب الدين ابن الغرس في تمكين عز الدين من تسليم قرقيسيا والخابور. فقال لهم: " إني فتحت هذه البلاد بسيفي من الخوارزمية، فما له والتصرف فيما ليس له ". فعادا بهذا الجواب. وكان قصد الملك الصالح إبعاد عز الدين إنه لا بد أن يملك مصر رجل تركي اسمه عز الدين أيبك، فظن أنه هو لما كان يرى فيه من مخايل المملكة.
فلما لم يتم له قصده في إبعاده قبض عليه، وبقي في حبسه إلى أن مات في جمادى الأول سنة ست وأربعين وستمائة بالقاهرة.
ولم تزل صرخد " في يد الملك الصالح ثم في يد ولده الملك المعظم، إلى أن قُتل في المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وملك دمشق السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز محمد صاحب حلب، استولى على " صرخد " وبقيت في يده إلى أن خرج عن البلاد بورود التتر إليها واستيلائهم عليها.
فأقطعها أخاه الملك الظاهر سيف الدين غازي فولّي فيها سعد الدّين بن عمر قلج نقيب العسكر، وبقيت في يده إلى أن قصدها التتر بعد أخذهم دمشق، فخربوا شراريف أسوارها، وأبقوها في يده، وجعلوا معه فيها نائبا.
ثم خرج عنها ولحق بهولاكو، ثم أباد الله التتر على يد من بيض الله بجهادهم صحائفه، وقلّد حدُّه جيدَ الملّة الإسلامية مننه وعوارفه، الملك المظفَّر قٌطُر التركي الُمعزي وأعاد المسلمين إلى مراكزهم في البلاد الشامية.
فلما قُتل، وملك مولانا السلطانُ الملكُ الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحي البلاد عمرها، وعمر سور " صرخد " وجدّد، وولّى فيها من قبله وهي في يده إلى عصرنا. ولم تزل في يده إلى أن توفي إلى رحمة الله وتولى ولده السلطان الملك السعيد على جميع الممالك بعهدٍ من والده.
وأما بُصْرى فإنها لما صارت إلى الملك المعظم، حين أعطاه أبوه الملك العادل الشام، جدّد قلعتها، وأحكم بناءها وحصَّنها، وبنى ظاهرها بركة للحجاج في غاية الكبر يستقون منها عند دخولهم إلى البرية.
وأنا في هذا متردّد والغالب عندي أن الملك العادل لم يُعط " بصرى " للملك المعظم فيما أعطاه من الشام، بل أعطاها ولده الملك الصالح عماد الدّين اسماعيل، ولم تزل في يده إلى أن حاصرها الملك الصالح نجم الدين أيوب حتى تسلمها من نوابه في رجب سنة أربع وأربعين وستمائة.
وبقيت في يده، ثم في يد الملك المعظّم غياث الدين تورانشاه. ثم لما قتل، وملك السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب دمشق، ملكها ولم تزل في يده إلى أن استولت عليها التتر فيما استولوا عليه من البلاد.
فلما أتاح الله هلاك عسكر " هولاكو " ومضغوا اللجم بما أصابهم ولاكوا. واسترجع منهم ما ملكوه. وقطع عليهم النهج الذي سلكوه. صارت في يد مولانا السلطان الملك الظاهر، فعَّم الخصبُ أرجاءها. وتبوأ الأمن أفياءها. وهي في يد نوابه إلى عصرنا الذي وضعنا فيه هذا الكتاب.
كورة البثينة
ومدينتها أذرعات
قال البلاذري: " لماّ فتح المسلمون بصرى أتاهم صاحب أذرعات فصولح على مثل ما صولح عليه أهل بصرى وعلى أن تكون أرض البثنية خراجاً؛ ومضى يزيد بن أبي سفيان حتى دخلها ".
ولم يتصل بي شيء من ذكرها بعدُ. والظاهر عندي أنها ولايات مضافات إذا ليس فيها مدينة معتبرة فيكون لها ولاية مقرّرة.
[كورة الجبال ومدينتها عرندل]
على ما وجدته في كتاب فتوح البلدان.
ورأيت في غيره من الكتب أن مدينتها " مآب ".
قال البلاذري: " لماّ ولي أبو عبيدة ابن الجراح الجيش والأمرة ولّي يزيد بن أبي سفيان ففتح عرندل، وغلبَ على أرض الجبال ".
وفي هذه الكورة زُغرْ.
وهي مدينة حارّة، متصلة بالبادية، وبها نيلٌ لا يقصر عن نيل كابل.
[ومعان]
وهي على سيف البرية، وتسكنها طائفة من اليونان.
[ومؤتة]
وهي التي قتل فيها جعفر بن أبي طالب الطيار. وهذه كلها مدن قديمة وقع ذكرها في كتب التواريخ والفتوحات، وكتب المسالك والممالك.
ومما هو مستحدث ذكره في هذه الكورة من البلاد
الكرك والشوبك