ولم تزل بيده إلى أن قتل على قلعة جعبر سنة إحدى وأربعين لخمس مضين من شهر ربيع الآخر. وملك ولده سيف الدين غازي الموصل والجزيرة، فأقطع جزيرة ابن عمر لأبي بكر الدبيسي. ولم تزل بيد أبي بكر الدبيسي إلى أن توفي سيف الدين غازي بن زنكي - صاحب الموصل - في سنة أربع وأربعين وخمس مئة.
وولي قطب الدين مودود الموصل، وعجز عن خلاص جزيرة ابن عمر من أبي بكر الدبيسي.
ولم تزل في يد أبي بكر الدبيسي إلى أن توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ولم يخلف ولدا، فاستولى عليها مملوك له يسمى أغلبك وأطاعه جندها، فسار إليها ثلاثة أشهر قطب الدين مودود - صاحب الموصل - وحصرها ثلاثة أشهر، ثم تسلمها من أغلبك في صفر سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، وعوضه عنها إقطاعا.
ولم يزل قطب الدين مالكا لجزيرة ابن عمر إلى أن توفي وملك ابنه سيف الدين غازي.
[ذكر حمايته ينبغي للملوك أن يحترزوا من مثلها]
قال ابن الأثير في تاريخه: " حدثني والدي - رضي الله عنه - قال: كنت أتولى جزيرة ابن عمر لقطب الدين، كما عملتم، فلما كان قبل موته بيسير، أتانا كتاب من الديوان بالموصل يأمر بمساحة جميع بساتين العقيمة وهي قرية تحاذي الجزيرة بينهما دجلة ولها بساتين كثيرة، بعضها يمسح فيؤخذ منه على كل جريب شيء معلوم، " بعضها عليه " وبعضها " خارج " مطلق ما عليه شيء. وكان لي فيها ملك كثير، فكنت أقول: المصلحة ألا تغبر على الناس شيئا، وما كنت أقول ذلك إلا نظرا لي لأجل ملكي، وإنما أريد أن يدوم الدعاء من الناس للدولة. فجاءني كتاب النائب: أنه لا بد من المساحة. قال: فأظهرت الأمر وكان بها قوم صالحون، وكان لي بهم أنس، وبيننا مودة فجاءني الناس كلهم، وأولئك معهم يطلبون المراجعة، فجاءني منهم رجلان، أعرف صلاحهما وطلبا مني المخاطبة ثانيا، ففعلت، " فأصروا على المساحة، فعرفتهما الحال. قال: فما مضى إلا عدة أيام " وإذا قد جاءني الرجلان، فلما رأيتهما ظننت أنهما جاءا يطلبان المعاودة، فعجبت منهما، وأخذت أعتذر إليهما، فقالا: ما جئنا إليك في هذا وإنما جئنا نعرفك أن حاجتنا قد قضيت " قال ": فظننت أنهما قد أرسلا إلى الموصل إلى من يشفع لهما. فقلت: من الذي تحدث لكما في هذا بالموصل؟ فقالا: إن حاجتنا قد قضيت من السماء ولكافة أهل العقيمة " قال ": فظننت أن هذا مما قد حدثا به نفوسهما ثم قاما " عني " وخرجا. قال: فلم تمض غير عشرة أيام وإذا قد جاءنا كتاب من الموصل يأمرون فيه بإطلاق " المساجين والمحبوسين " والمساحة والمكوس ويأمرون بالصدقة. و " يقال ": إن السلطان قطب الدين مريض مرضا شديدا. ثم بعد يومين أو ثلاثة جاءنا الكتاب بوفاته، فعجبت من قولهما، واعتقدته كرامة لهما، فصار والدي بعد ذلك كثيرا ما يزورهما، ويكثر إكرامهما واحترامهما ".
[ذكر ملك معز الدين سنجرشاه الجزيرة]
ولم تزل الجزيرة بيد سيف الدين غازي إلى أن توفي في صفر سنة ست وسبعين وخمسمائة. وكان قد عهد بالملك بعده إلى ولده معز الدين سنجرشاه وكان عمره يومئذ اثنتي عشرة سنة.
وكان السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن أيوب إذ ذاك قد قوي وعظم شأنه وتمكن، فخافوا منه، وامتنع أخوه عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان إلى تمليكه والإجابة إلى ذلك. فأشار الأمراء والأكابر ومجاهد الدين قايماز بأن يجعل الملك في أخيه عز الدين مسعود لكبره، وما فيه من الشجاعة والعقل وقوة النفس وأن يعطي ولداه بعض البلاد، ويكون مرجوعهما إلى عز الدين عمهما، والمتولي لأمرهما مجاهد الدين قايماز ففعل ذلك وجعل الملك في أخيه، فأعطى معز الدين سنجر شاه جزيرة ابن عمر، وأعطى أخاه كسك - الصغير - قلعة عقر الحميدية واستقل عز الدين مسعود بالملك، وانقادت له الأمور، ولم يختلف عليه اثنان ".
ولم تزل في يده إلى أن دخلت سنة خمس وستمائة.
[ذكر قتل سنجر شاه وملك ابنه محمود]
في هذه السنة: قتل سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آق سنقر - صاحب جزيرة ابن عمر - وهو ابن عم نور الدين - صاحب الموصل - قتله ابنه غازي. ولقد سلك في قتله طريقا عجيبا، يدل على مكر ودهاء.