والثانية من إنشاء السلطان الشهيد نور الدين - رحمه الله - مرصدة للواردين الغرباء.
[ذكر فتح مدينة سنجار وملكها]
قال أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري: حدثني محمد ابن المفضل الموصلي عن مشايخ من أهل سنجار قالوا: كانت سنجار في أيدي الروم فاتفق أن كسرى المعروف بأبرويو أراد قتل مائة رجل من الفرس كانوا حملوا إليه بسبب خلاف ومعصية. فكلم فيهم " فأمر أن يوجهوا إلى سنجار وهو يومئذ يعاني فتحها، فمات منهم " في الطريق رجلان، ووصل " إليها " ثمانية وتسعون " رجلا "، فصادفوا المسلمين عليها محاصرين لها، فنزلوا على ناحية منها وقاتلوها، ففتحوها دون المسلمين وتحصنوا بها. فلما انصرف عياض بن غنم من خلاط " وصار " إلى الجزيرة بعض إلى سنجار ففتحها " صلحا " وأسكنها قوما من العرب.
[ذكر من وليها بعد خروج الجزيرة عن أيدي]
بني حمدان في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة قد تقدم القول بذكر من فتحها، ومن ملك الجزيرة بمجموعها أولا، فأعني عن إعادته ثانيا. فإن سنجار لم تزل مضافة إلى من يلي ديار ربيعة والموصل. فلما أن خرجت عن أيدي بني حمدان في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة انتقلت إلى أمراء بني عقيل - ملوك الموصل - وأولهم: أبو الذواد محمد بن المسيب بن رافع بن المقلد ابن جعفر بن عمرو بن المهنا عبد الرحمن بن بريد - مصغرا - بن عبد الله بن زيد بن قيس بن جوثة بن طهفة ابن حزن بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوزان.
تغلب أبو الذواد على الموصل وملكها وسنجار فلم تزل في يده إلى أن توفي في سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
ووليها المقلد - أخوه - إلى أن قتل في سنة إحدى وتسعين.
ووليها ولده قرواش، وتوفي سنة اثنتين وأربعين " وأربعمائة " ولم تزل " في يد " من يلي الموصل من بني عقيل إلى زمن الأمير شرف الدولة، أبي المكارم مسلم بن أبي المعالم قريش.
وكان استولى على ديار عظيمة، وسيرته حسنة. فساس الناس سياسة حسنة. وشمل الأمن جميع الرعية والسبل. وقد استوفينا بعض سيرته في أخبار حلب.
ولم يزل مالكا الموصل وسنجار وحلب إلى أن قتل في حرب جرت بينه وبين سليمان بن قتلمش - ظاهر إنطاكية - في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
وولي بعده أخوه أبو سالم إبراهيم بن قريش. وكان قد اعتقله أخوه شرق الدولة في قلعة سنجار أربع عشرة سنة. فلما توفي أخوه اجتمعت العشيرة على إخراجه وتوليته مكان أخيه، فأخرجوه وولوه الموصل وسنجار. فلم يزل بهما إلى أن وصل السلطان ملكشاه في سنة ثمانين وأربعمائة، فقبض على إبراهيم بن قريش وسلم البلاد إلى أبي عبد الله محمد بن شرف الدولة بن قريش وأزوجه أخته زليخا واستمرت إلى أن استدعاه السلطان ملكشاه إليه واعتقله. فلم يزل معتقلا إلى أن توفي السلطان ملكشاه ليلة الجمعة النصف من شوال من سنة خمس وثمانين وأربعمائة، فأطلقته تركان خاتون - زوجة السلطان - ولعمه إبراهيم فوصلا إلى الجزيرة.
وكان نواب أبي عبد الله محمد بن شرف الدولة بسنجار مدة حبسه. فوصل إلى الجزيرة.
ولما بلغ تاج الدولة تتش السلجوقي، صاحب دمشق - أخو ملكشاه - خرج من دمشق بعساكره طمعا في ملك أخيه ملكشاه. فوصل إلى الجزيرة واستولى على هيت، وعاد إلى دمشق.
ثم خرج ثانيا، فوصل إلى حلب وقتل قسيم الدولة آق سنقر - صاحب حلب - في وقعة كانت بينهما بظاهر حلب وملكها.
ثم سار إلى الرها فملكها، وإلى ميافارقين وآمد فملكهما، وتسلم تصيبين، وسلمها إلى محمد ابن شرف الدولة بن قريش.
وتوجه إلى لقاء ابن أخيه بك ياروق وضرب معه مصافا، فقتل تاج الدولة في الوقعة، وذلك في سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.