ومسجد الغضائريّ ويُعرف الآن بمسجد شُعَيب وهو أوّل مسجد اختطّه المسلمون. نقلتُ من تأريخ محمّد بن عليّ العظيميّ قال: لمّا فتح المسلمون حلب دخلوها من باب إنطاكية ووقفوا داخل البلد ووضعوا تراسهم في مكان بُني به هذا المسجد وعُرف أوّلاً بأبي الحسن عليّ بن عبد الحميد الغضائريّ أحد الأولياء من أصحاب سَرِيّ السقطيّ رحمه الله وحجّ من حلب ماشياً أربعين حجةً ثمّ عُرف ثانياً بمسجد شُعَيب وهو شعيب بن أبي الحسن بن حسين بن أحمد الأندلسيّ الفقيه كان من الفقهاء والزهّاد. وكان نور الدين محمود بن زنكي يعتقد فيه ويتردّد إليه فوقف على هذا المسجد وقفاً ورتّب فيه شعيب المذكور مدرّساً على مذهب الإمام الشافعيّ رضه.
ذكر ما كانت الأمم السالفة تعظّمه من أماكن بمدينة حلب
يقال إنّه كان بحلب نيّف وسبعون هيكلاً للنصارى منها الهيكل المعظّم عندهم الّذي بنته هيلاني أمّ قسطنطينيّة وهي التي بنت كنائس الشام كلّها والبيت المقدّس وهذا الهيكل كان في الكنيسة معظّمةً عندهم ولم تزل على ذلك إلى أن حاصرت الفرنج حلب في سنة ثماني عشرة وخمسمائة وملكها يومئذ إيلغازي بن أُرْتُق صاحب ماردين فهرب منها وقام بأمر البلد ومن فيه القاضي أبو الحسن محمّد بن يحيى بن محمّد بن أحمد بن الخشّاب فعمد الفرنج إلى قبور المسلمين فنبشوها. فلمّا بلغ القاضي ذلك أخذ من كنائس النصارى التي كانت بحلب أربعاً وجعل فيها محاريب منها هذه الكنيسة التي قدّمنا ذكرها فجعلها مسجداً فاستمرّت على ذلك إلى أن ملك الملك العادل نور الدين حلب فجدّد فيها إيواناً وبيوتاً وجعلها مدرسةً لتدريس مذهب أبي حنيفة ووقف عليها وقفاً. وأمّا الباقيات فإحداها كانت في الحدّادين فلمّا ملك الملك الناصر صلاح الدين حلب جعلها حسام الدين لاجين ابن أخته مدرسةً للحنفيّة والثانية في درب الحطّابين جعلها عبد الملك المقدّم مدرسةً للحنفيّة والثالثة على ما يغلب عليه ظنّي هي المسجد الّذي هو قريب من حمّام موغان وكان بموضع الحمّام والدار بيت المذبح للكنيسة الّتي قلنا إنّها صارت المدرسة الحلاويّة وبينها وبينه ساباط معقود البناء تحت الأرض يخرج منها من الهيكل إلى المذبح وكان النصارى يعظّمون هذا المذبح ويقصدونه من سائر البلاد وكانت حمّام موغان حمّاماً للهيكل وكان حوله قريباً من مائتَيْ قلاّية تنظر إليه وكان في وسطه كرسيّ ارتفاعه أحد عشر ذراعاً من الرخام الملكيّ الأبيض.
وذكر ابن شرارة النصرانيّ في تأريخه أنّ عيسى عم جلس عليه وقيل جلس موضعه لمّا دخل إلى حلب. وذكروا أيضاً أنّ جماعة الحواريّين دخلوا هذا الهيكل وكان في ابتداء الزمان معبداً لعبّاد النار ثمّ صار إلى اليهود فكانوا يزورونه ثمّ صار إلى النصارى ثمّ صار إلى المسلمين. وذكروا أيضاً أنّه كان بهذا الهيكل قسّ يقال له بَرْسوما تعظّمه النصارى وتحمل إليه الصدقات من سائر الأقاليم يُذْكَر في سبب تعظيمهم له أنّه أصاب أهل حلب وباء في أيّام الروم فلم يسلم منهم غيره.
[ذكر ما بظاهرها من المزارات]
من ذلك مقام إبراهيم عم وهو خارج المدينة ممّا يلي القبلة وحوله الآن جبّانة وهو مشهد مقصود من كلّ الأقطار في محرابة حجر يقال أنّ إبراهيم عم كان يجلس عليه. وفي الرواق القبليّ. منه ممَّا يلي الصحن صخرة مرتفعة فيها نقرة قيل إنّه كان يحلب فيها غنمه.
ومنها مشهد الخضر عم وهو بناء قديم قيل أنّه قبل الملّة الإسلامية يُذكَر أنّ جماعة من صالحي حلب اجتمعوا به فيه وهذا الموضع مقصود.