ومنها في شرقيّ المدينة مشهد قَرَنْبِيا أنشأه عماد الدين آق سُنْقُر قسيم الدولة صاحب حلب وكان هذا الموضع قديماً يُعْرف بمقر الأنبياء فحرّفته العامة وسبب بناء قسيم الدولة لهذا المشهد أنّ شيخاً من أهل منبج رأى في حلب عدّة مرار كأنّ علي بن أبي طالب عم يصلّي فيه وأنّه قال: قل لآق سُنْقُر يبني على قَرَنْبيا مشهاً وقرنبيا اسم الربوة. فقال الشيخ لعليّ عم: ما علامة ذلك فقال: أن تكشف الأرض فإنها أرض معمولة بفصّ المرمر والرخام وفيها محراب مؤسّس وقبر على جانب المحراب في بعض ولدي. فلّما تكرّرت هذه الرؤيا على الشيخ شاور جماعةً من أصحابه فأشاروا عليه أن يتعرض له فخرج إليه في جماعة فلمّا رآهم أنفذ إليهم حاجبه وسألهم ما حاجتهم فأخبروه برؤيا الشيخ فأمر وزيره بكشف الموضع فكشفه ورأى الإمارات على ما حكاه من الرؤيا. فبناه ووقف عليه وقفاً وكان يتردّد إليه. هذا ما حكاه يحيى بت أبي ط] ّ. إنه رُؤي النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه وجماعة من الأنبياء. مراراً فبناه قسيم الدولة.
ويقال إنّ بظاهر باب أربعين قبر بلال بن حمامة وهو لا يُعْرَف والمؤرّخون يقولون أنه مات بحلب.
ومنها في شماليّ البلد خارج باب النصر مشهد قديم يُعْرَف بمشهد الدعاء. وقد جُرّب لإجابة الدعاء..
ومنها بجانب باب الجنان ملاصق له مشهد قديم يُعْرَف بمشهد علي عم. ذكر يحيى بن أبي طيّ. أن في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ظهر مشهد عليّ عم الّذي على باب الجنان. قال: وكان مكان يُباع فيه الخمر واتّفق أن بعض أهل حلب رأى في النوم وكان مريضاً بحُمّى في مدّة طويلة كأنّه في ذلك المكان وكأنّ رجلاً يقول له: أي شيء تشكو؟ فقال: الحمّى. فمدّ يده إلى تراب من ذلك المكان وقال: خذه وعلّقه عليك فإنك تبرأ وقل للناس يعمّرون هاهنا مشهداً فقال: يا مولاي لا يقبلون مني. فقال: يحفرون هاهنا فإنهم يجدون صخرةً جميع ما حولها من التراب يكون فيه رائحة المسك. فقال له من أنت؟ قال: أنا عليّ بن أبي طالب. فاستيقظ الرجل وقد زالت الحمّى عنه. فحدّث لأهله بذلك وأصبح وخرج إلى المكان ووقف يحثّث الناس وكان بحلب رجل يقال له شُقَيْر السواديّ يحمل السواد إلى البساتين وكان فيمن حضر فنبشوا المكان فكان التراب يخرج كأنه المسك فتطيّبت به الناس وتاب شُقَيْر عن أمور كان يعتمدها في الفساد وتوّلى عمارة المكان.
ومنها على باب أربعين مشهد الثلج يقال إنّ عمر بن الخطاّب رضه رُؤي يصلي فيه.
ومنها عند جسر الروّاس مشهد يونس عم يقال إنّ يونس كان نازلاً بمكانه.
ومنها مشهد الدكَة وهو في غربيّ حلب وسُمي بهذا الاسم لأنّ سيف الدولة كانت له دكّة على الجبل المطلّ على المشهد يجلس عليها للنظر إلى حلبة السبّاق فإنها كانت تجري بين يديه في ذلك الوطاء الّذي فيه المشهد.
قال يحيى بن أبي طيّ في تأريخه: وفي السنة - يعني سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة - ظهر مشهد الدكة. وكان سبب ظهوره أن سيف الدولة عليّ ابن حمدان كان في أحد مناظره بداره الّتي ظاهر المدينة فرأى نوراً ينزل على المكان الّذي فيه المشهد عدّة مرّات. فلمّا أصبح ركب بنفسه إلى ذلك المكان وحفره فوجد حجراً عليه كتابة:" هذا " قبر " المحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب ". فجمع سيف الدولة العلويّين وسألهم هل كان للحسين ولد اسمه المحسّن. فقال بعضهم: ما بلغنا ذلك وإنما بلغنا أنّ فاطمة عم كانت حاملاً فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: في بطنك محسّن. فلمّا كان يوم البيعة هجموا عليها في بيتها لإخراج عليّ عم إلى البيعة فأخْدجت. وقال بعضهم: يُحتمل أنّ سبيّ نساء الحسين لمّا وردوا هذا المكان طرح بعض نسائه هذا الولد. فإنا نروي عن آبائنا أن هذا المكان سُمّي بجَوْشَن لأنّ شُمر ابن ذي الجَوْشَن نزل عليه بالسبي والرؤوس وأنّه معدناً يُعمَل فيه الصفر وأن أهل المعدن فرحوا بالسبي فدعت عليهم زينب بنت الحسين ففسد المعدن من يومئذ.
وقال بعضهم: إنّ هذه الكتابة ألّي على الحجر قديمة وأثر هذا المكان قديم وإن هذا الطِرْح الّذي زعموا لم يفسد وبقاؤه دليل على أنّه ابن الحسين. فشاع بين الناس هذه المفاوضة الّتي جرت وخرجوا إلى هذا المكان وأرادوا عمارته فقال سيف الدولة: هذا موضع قد أذن الله تع لي في عمارته على اسم أهل البيت.