ومن ذلك أيضاً مسجد غَوْث. ذكر كمال الدين بن العديم في تأريخه قال: قال لي عليّ بن أبي بكر الهرويّ فيما ذكره من الزيارات بحلب: " وبها داخل باب العراق مسجد غَوْث به حجر عليه كتابة زعموا أنّها خطّ عليّ بن أبي طالب عم وله حكاية ". وهي أنّ أتابك زنكي لمّا أخذ الحديثة وعاد إلى الشام فأتفق أنّه مرّ في صفّين فاعترضته حمّى حادّة منعته القرار ثمّ زالت عنه في آخر الليل فنام فرأى في النوم كان عليّاً رضه يصف له دواء للحمّى ودلّه على حجر هناك فلمّا أصبح استعمل الصفة وسأل عن الحجر فدُلّ عليه وسأل عن قصّته. فذكروا أنّ عليّاً عم لمَّا نزل الرّقة شكا إليه أهلها ما يلقون من السباع وكثرتها فجاء إلى هذا الحجر وكتب عليه شيئاً ووضعه خارج الرقّة فأمر أتابك بحمل الحجر إلى مدينة حلب وكتب عليه شيئاً ووضعه خارج الرقّة فأمر أتابك بحمل الحجر إلى مدينة حلب فحُمِل على ناقة فلمّا وصلت به حلب أرادوا رفعه إلى القلعة فادخلوا الناقة من باب العراق وأخذوا بها في الطريق المعروف بالرمي فبركت قريباً من رأسه فأثاروها فلم تقم فضربوها فعويت وامتنعت من القيام فطرحوا عنها الحجر فأمر الأتابك بعمارة مسجد هناك ووضع الحجر فيه في بيت في غربيّه وذلك في سنة ستّ وثلاثين وخمسمائة.
ومنها مسجد النور وهو بالقرب من باب قنّسرين في برج من أسوار حلب. ذكروا إِنّما سُمّي بذلك لأنّه رُؤي النور ينزل عليه مراراً وكان ابن أبي نُمَيْر العابد يتعبّد فيه فاتّفق أنّ ملك الروم نزل على حلب محاصراً لها في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة واسمه أرمانوس فجاء الحلبيّون إلى أبن أبي نمير ومعهم ابن الخشّاب وكان مقيماً في البرج المذكور وسألوه الدعاء. قال فسجد على ترس كان عنده وسأل الله تع دفع العدوّ عن حلب. فرأى ملك الروم أرمانوس المسيح عم مهدّداً وهو يقول له:" تحاول أخذ هذه المدينة وفيها الساجد على الترس " فأشار إلى البرج الّذي هو فيه فلّما أصبح ملك الروم طلب من يخرج إليه فخرج إليه جماعة فأمرهم بالركوب وأوقفهم على ما أحدث في السور من النقوب الّتي أشرف بها على أخذه ثمّ قال لهم: إنّي راحل عنكم لا عن عجز لأنّ المسيح أمرني بذلك لأجل هذا الراهب الّذي في هذا البرج. وأشار إلى المكان الّذي فيه ابن أبي نُمَير ورحل عنها عن صلح قترّر بينه وبين أهلها ووقفتُ على هذه الحكاية في كتاب تأريخ حلب الصغير لكمال الدين فذكر أنّ اسم ابن أبي نُمير عبد الرزّاق بن عبد السلام وذكر عنه أنّه كان من الأولياء الزهّاد والمحدّثين العلماء وتوفيّ بحلب سنة خمس وعشرين وأربعمائة وقبره خارج باب قنّسرين. وذكر له أيضاً حكايةً مثل هذه مع الفرنج أيضاً في وقعة اشتدّ بهم الحصار في حلب باتوا على السور وفيهم ابن أبي نُمَيْر يصلّي على السور وسجد في آخر الليل فنام وهو ساجد فرأى في منامه عليّاً عم راكباً ولباسه أخضر وبيده رمح وهو يقول: ارفع رأسك يا شيخ فقد قضيتُ حاجتك. فانتبه بقوله فحكى للناس ذلك فتباشروا به. وحُكي عن مرتضى الدولة أنّه قال: استدعاني أرمانوس في آخر تلك الليلة الّتي رأى ابن أبي نُمير الرؤيا فيها. فقال لي: لكم بحلب راهب. فعلمتُ أنّه يعني ابن أبي نمير. فقلتُ: نعم. فقال: صفه لي. فوصفتُه له. فقال لي: رأيتُ هذا الرجل بعينه في هذه الساعة وكأنّي قد أشرفتُ على سور هذه المدينة وهو قائم عليه يوميء إليّ بيده ويقول " " ارجع فما تصل إلى هذا البلد " ولا أرى أنّه يتمّ لي شيء. فلّما كانت صبيحة تلك الليلة وقعت بينه وبين المسلمين وقعة انهزم فيها وقُتل من كان معه من العساكر وكان جيشاً عظيماً فيه ملك البُلغار وملك الروس وملك لبخَزَر وملك بَجنَاك. قال كمال الدين: سمعتُ أنّ القاضي الأكرم أبا الحسن عليّ بن يوسف القِفْطيّ وزير حلب كان يقول: مشهد النور تعتقد فيه النُصَيْريّة اعتقاداً عظيماً ويحجّون إليه وينذرون له.