وكان " خواجا شيخ العشائر ومدبرها قدر باد ولاء. وكان " مقدما في الأكراد، موسوما بالشجاعة، فحين حصل بالقلعة شق ثيابه وجمع الناس، ونفذ إلى الأمير أبي نصر فقال له: تعطي الحيل أعنتها إلى أرزن وتبادر بالسبق فوصل إليه من غدوه فأعلمه بالحال، وأقام بأرزن إلى أن عبرت خيل شروة في طلبه، فلما علموا أنه قد حصل في قلعة أرزن وأمن على نفسه، عادوا إلى شروة وأن خواجا اجتمع بالأمير وعرفه الحال، وأنه له وبين يديه. وأحضر خواجا أبا الأمير - مروان - وأمه من تربة الأمير أبي عليّ وتحدث معهم، وحلف بين أيديهم أنه لا يخالف أمره، وأحضر القاضي والشهود واستوثق منه بين أيديهم. فلما وثق منه خرج وجمع الأكراد والعشائر. ونادى بثأر الأمير أبي منصور فأطاعته العشائر بأسرها، وحلفوا ألا يعودوا دون قتل شروة ولا يطالبوه بعطاء إلى أن يملك البلاد. فسار في خلق عظيم وكبس الربض وقتل خلقا عظيما، وأخذ أموالا عظيمة لا تحصى كثرة، وانهزم عسكر شروة وغنموا ما كان معهم وقتلوا منهم خلقا وعادوا إلى أرزن.
وكان مقدم العساكر خواجا أبو القاسم، والأمير مقيم بأرزن فأطلق لهم جميع الغنيمة، وحكم لأبي القاسم في بيوت الأموال فأعطى الناس.
وخرج ثانية بنفسه وجميع العشائر وخواجا، ونزل على أربعة فراسخ من البلد، فأقام هناك. فندم شروة على ما كان منه " لأنه " كان قد أساء إلى جماعة من أهل البلد، فعاد أحسن إليهم. فأشار عليه ابن فيلوس بمكاتبة ملك الروم فنفذ إليه هدايا وتحفا، فسمع بذلك أهل البلد فكرهوه، ولعنوا شروة وابن فيلوس فكانا يسمعان لعنتهما.
ثم إن شروة جمع ما كان عنده من الأموال والجواهر في صناديق. وكان بينه وبين أبي طاهر بن دمنة محبة ومودة فنفذ إليه وقال له: إما أن تسير إلي وإما أن تنفذ لي ثقتك، فنفذ له حاجبه وصهره على ابنته القائد مرتج فسلم إليه تلك الأموال على سبيل الوديعة بعد ما أراه إياها قطعة قطعة، وكيسا كيسا، وزنا وعينا ووصفا، وحملت الأموال إلى آمد. وحلف له ابن دمنة وحلف شروة أيضا أنهما يكونان يدا واحدة ...
فمضى شروة إلى آمد واستوثق منه، وعاد إلى ميافارقين وثبت في قلوب الناس أن شروة معول على تسليم البلد إلى ملك الروم، والإيقاع بهم يوم الجمعة عند الصلاة.
" فلما كان يوم الجمعة حضر ابن فيلوس، ومعه خلق عظيم فلم يشك الناس، وكانوا وجلين من نوبة الأمير " أبي " علي ويوم العيد فثاروا عليه فانهزم منهم فطلبوه. فرموهم الكرج بالنشاب فقتل منهم جماعة وخرج شروة، وسكن الناس فقاتلوه فدخل القصر وفتح الخزاين وفرقها على الجند، وقاتل، وقتل من الفريقين مقتلة عظيمة، وانهزم شروة وقتل ابن فيلوس وجر الصبيان جثته في أزقة المدينة ومثلوا به، ونجا شروة فتحصن ببرج الملك واستصرخ بمشايخ البلد فجاءوا إليه فاستأمنهم فأمنوه، وتوسطوا أمره مع الأمير أبي نصر فنزل إليهم واستحلفهم في دار رجل منهم كان مقدما مسموع الكلمة يسمى أبا الطيب محمد بن عبد المجيد ابن المحور، وهو جد أب شيخ الشيوخ أبي الحسن علي بن المحور، فاجتمعوا عليه مدة ثم اختلفوا، فنهاهم فلم ينتهوا، وهدموا القصر العتيق ونهبوا ما فيه واستولوا عليه، وكتبوا إلى الأمير أبي نصر أن يحضر إليهم فحضر وطالبهم بتسليم البلد وشروة فلم يفعلوا، وقالوا: فَدْ أمّنّاه على نفسه وماله.
ووقع الخلف بينهم فنهاهم الشيخ أبو الطيب بن المحور فلم يقبلوا، فأخرج نفسه من بينهم، وانفرد في داره وقال: لا أدخل فيما أنتم فيه، فقدموا رجلا آخر يُعرف بابي طاهر بن الحمامي، وكان ممن يُرجع إلى رأيه مدة، ثم رأى خُلفهم، فانعزل عنهم.
فرجعوا إلى شيخ منهم من مقدمي السوق، يسمى أحمد ابن وصيف البزاز، وكان من الشهود. وكان له صديق يعرف بابن " أبي " الريحان، وكان له أتباع فأحضره، واتفقا كلاهما، وشرعا في حفظ البلد، والنظر في أحوال الناس وقويت يده، واسترجع بعض ما نهب، وحصَّل مالا عظيما.
ثم إن الأمير أبا نصر أوقع بالناس القتال، وجدَّ في حصار وقطع الميرة، وضايق البلد مضايقة شديدة، فخاف ابن وصيف أن يستجيب العامة للأمير أبي نصر ويبقى هو العدو. فراسل الأمير أبا نصر يطلب أيمانه وأيمان خواجا أبي القاسم، وشرط لنفسه ما أراد، واستظهر بما أمكنه فأجيب إلى ذلك.