وملك بعده ولده شبيب، فلم تزل في يده إلى أن توفي في سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، فاستولى أخواه مطاعن وقوام علي ما كان بيده من بلاد الجزيرة.
وكانت أخته السيدة عليوة امرأة نصر مقيمة بالرافقة، فتحيلت على غلام أخويها، الوالي بها، إلى أن أخرجته واستولت على البلد، وتزوجت بمعز الدولة أبي علوان ثمال بن صالح لتقيم هيبتها به. فحضر في الرقة ولم تزل في يده إلى أن سلمها لمنيع بن شبيب بن وثاب في سنة تسع وأربعين وأربع مائة.
واستمرت إلى أن قصدها عطية بن صالح فأخذها منه، وبقيت في يده إلى أن قصدها شرف الدولة مسلم بن قريش العقيلي فملكها في سنة ثلاث أو أربع وستين وأربع مائة. ثم زاده السلطان ملكشاه في سنة ثلاث وسبعين حلب وحران وغيرهما من البلاد، ولم يزل مالكا لما بيده من البلاد إلى أن قتل سنة ثمان وسبعين.
فملك بعده أخوه إبراهيم، ولم تزل في يده إلى أن قصد السلطان ملك شاه الشام وملك حلب وأقطعها مملوكه قسيم الدولة آق سنقر وتسلم قلعتها من شمس الدولة سالم بن مالك العقيلي وعوضه عنها قلعة جعبر والرقة، ولم تزل في يده إلى أن كبرت سنة ففوض أمره لولده نجم الدولة مالك واعتزل.
فولى نجم الدولة أخاه شهاب الدولة الرقة فوقع بينه وبين أهل الرقة وبني نمير منافرة فقاموا عليه وقتلوه. وملكوا الرقة منصور بن جوشن النميري، واتصلت الحرب بينه وبين نجم الدولة بالقلعة. وفي أثناء ذلك قصده جاولي سقاوه في سنة اثنتين وخمس مئة وحاصره في البلد، فاضطر إلى مصانعته حتى رحل عنه.
ثم استمرت الحرب بينه وبين نجم الدولة حتى باع الرقة من الملك رضوان صاحب حلب بقلعة نجم وضياع بحلب فصانع عنها نجم الدولة مالك إلى أن عادت إليه.
فولى فيها أخاه زعيم الدولة مسيب فأقام بها إلى أن اجتاز بها عماد الدين زنكي وهو متوجه إلى الشام، فخرج إليه مسلما عليه، فنزل بها عماد الدين فملكها، وأخرجه عنها، وذلك يوم السبت سادس عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وخمسمائة. فأقطعها شهاب الدين أميرك الجاندار فدامت في يده إلى أن قتل عماد الدين على قلعة جعبر وملك ولده نور الدين حلب وملك أخوه سيف الدين غازي الموصل، فانضاف شهاب الدين إلى سيف الدين غازي وبقي في حاشيته إلى أن توفي في سنة أربع وأربعين وخمسمائة.
وتولى أخوه قطب الدين ممدود فقصد نور الدين سنجار وملكها، فراسله قطب الدين واصطلحا على أن يأخذ نور الدين حران والرحبة وحمص، وأن يكون شهاب الدين أميرك في خدمته، واستمرت الرقة في يد شهاب الدين إلى أن مات بها سنة أربع وخمسين، فأقرها نور الدين في يد أكبر أولاده إسحاق. ثم استرجعها منه في بقية السنة، وولى فيها من قبله. ولم تزل كذلك إلى أن تسلم نورد الدين حمص من الشان صلاح الدين الأعرج وسلمها إلى أبن أخيه سيف الدين غازي وعوض الشان عنها بالرقة وذلك في سنة ستين وخمسمائة. ولم تزل في يده إلى ان استعادها منه سنة اثنتين وستين، وسلمها لأخيه قطب الدين - صاحب الموصل - على ان يقيم عسكرا للقاء الفرنج، ولم تزل بيده إلى أن توفي سنة خمس وستين وخمس مائة.
وولي ولده الأصغر بعهد من أبيه، فلما بلغ الخبر نور الدين سار إلى الرقة وبها والٍ من قبل قطب الدين يقال له كردك بن موسى الكردي فتحصن بها، فحاصره إلى أن فتحها عنوة في سلخ السنة، ونهب أهلها، وقتل منهم جماعة، وأعطى كردك سن ابن عطير واستمرت الرقة في أيدي نواب نور الدين إلى أن توفي سنة تسع وستين.
وولي بعده ولده الملك الصالح إسماعيل واستولى على ماكان في يد أبيه من البلاد، فسير سيف الدين غازي عسكرا استولى على الخابور والرقة وحران وسروج والرها وذلك في سنة سبعين وخمس مئة. ولم يكن للملك الصالح قدرة على دفعه، فصالحه على ذلك.