للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقلت: والرقة مدينة قديمة، والرافقة مدينة محدثة بناها المنصور في سنة خمس وخمسين ومائة، على يد ولده المهدي على هيئة الطيلسان.

وقرأت في تاريخ الطبري: " وفي سنة أربع وخمسين ومائة سار المنصور إلى الشام فنزل الرقة فاستحسن مكانها، فأمر ببناء مدينة في بقعتها، فمنعه أهل الرقة فهم بمحاربتهم ثم كف.

ولما عاد من الشام سنة ثمانين خرج الرشيد من بغداد وسار إلى الرقة فاتخذها موطنا، وبنى سورها، واسمه مكتوب على باب السبال من الجانب الشرقي، مثاله: " امر بعمارته أمير المؤمنين هارون الرشيد - أطال الله بقاءه - بتولي الفضل ابن الربيع - مولاه - ".

طالعها القوس والمشتري.

طولها ثلاث وسبعون درجة وخمس عشرة دقيقة. وعرضها ست وثلاثون درجة، وثمان دقائق.

بها مدرستان: ١ - شافعية.

٢ - وحنفية.

وبيمارستان.

وخانقاه من بناء نور الدين.

وبنى بها عماد الدين الأصفهاني، وزير قطب الدين صاحب الموصل خانقاه.

ولما ملكها الملك الأشرف غرس بها بساتين كثيرة وجلب إليها الغروس من كل بلد، حتى النخل والموز، وبنى بها الجواسق والحمامات.

وبها من المزارات مشهد علي بن أبي طالب - عليه السلام -.

وبها مشهد الجنائز.

وبها قبر يحيى بن عبد الله بن الحسن " بن الحسن " بن علي بن أبي طالب - عليه السلام -.

وبها جماعة ممن قتل بصفين، من أصحاب علي بن أبي طالب - عليه السلام - معروفة قبورهم.

ولم تزل الرقة في يد من يتولى الجزيرة منذ فتحت إلى أن صارت ديار مضر في " يد " سيف الدولة فطلب منه أخوه الرقة ناصر الدولة، أبو محمد، الحسن بن أبي الهيجاء، عبد الله بن حمدان فأعطاه إياها. وبقيت في يده إلى أن أقطعها ولده حمدان مع الرحبة.

ولم تزل في يده إلى سنة ثمان وخمسين.

فوقع بينه وبين أخيه أبي تغلب، فنزل عليه في الرقة وحاصره، وضيق عليه إلى أن صالحه على أن يقتصر على الرحبة وسلم إليه الرقة. ومازالت في يده إلى أن وقعت بينه وبين سعد الدولة وحشة ومنافرة ألجأت سعد الدولة إلى أن كاتب عضد الدولة وعرض نفسه عليه، فأنفذ عضد الدولة النقيب أبا أحمد - والد الرضي والمرتضى - إلى ديار مضر فتسلمها من سلامة البرقعيدي - نائب أبي تغلب فضل الله بن ناصر الدولة بن حمدان بعد حروب شديدة. فأخذ الرقة عضد الدولة، وسلم باقي البلاد لسعد الدولة.

ولم تزل الرقة في يد عضد الدولة إلى أن خرج بكجور - غلام سعد الدولة - هاربا من دمشق إليها في شهر رجب سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، وأقام الدعوة فيها للمصريين، واستمر بها إلى أن خرج له سعد الدولة من حلب فالتقى به على الناعورة في سلخ المحرم سنة إحدى وثمانين فقتله، وسار إلى الرقة، وفيها حرمه وأمواله وأولاده، فتلقاه أهل الرقة برجالهم ونسائهم وأولادهم.

ودخلوا عليه حريم بكجور وسألوه أن يهبهم نفوسهم وأموالهم، فأجابهم إلى ذلك واصطنعهم، وحلف لهم. فمدحه أبو الحسن محمد بن عيسى النامي بقصيدة أولها:

غَرائزُ الجُودِ طَبْعٌ غيرُ مَقْصُودِ ... وَلَسْتَ عَنْ كَرَمٍ يُرْجى بمَصْدُودِ

فلما خرج أولاد بكجور بأموالهم استكثر سعد الدولة فقال له وزيره أبو الهيثم: أنت حلفت لهم على مال بكجور ومن أين لبكجور مالٌ؟! المال لك.

فنكث وغدر، وقبض على المال، وكان مقداره ثمان مائة ألف دينار، وصادر نواب بكجور واستأصل أموالهم وعاد إلى حلب فأصابه الفالج في طريقه، فاستُدعي الطبيب فطلب يده ليجس نبضه، فناوله اليسرى، فقال: يمينك أيها الأمير فقال: ما أبقت لي اليمين يمينٌ، ومات بعد أيام، فحُمل تابوته إلى الرقة، فدُفن بها.

وصارت الرقة إلى ولده سعيد الدولة فيما صار إليه من بلاد أبيه. واستمرت في يده إلى أن توفي في صفر سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة.

وولي بعده ابناه: أبو الحسن علي، وأبو المعالي شريف وقام بتدميرهما غلام أبيهما لؤلؤ، ثم استبد بالملك، وقبض عليهما وسيرهما إلى مصر " فتغلب على " الرقة واليها من قبل سعد الدولة فخرج إليها واسترجعها، وولي فيها من قبله، وذلك في سنة ثمان وتسعين. وفي هذه السنة توفي وولي بعده ولده أبو نصر منصور.

فاستولى على الرقة وثاب بن سابق النميري لما ملك حران، ولم تزل في يده إلى أن توفي في سنة عشر وأربع مائة.

<<  <   >  >>