ولما مات سيف الدولة اهتمت جميلة أخته في عمل الخندق حول ميافارقين. وكان سيف الدولة قد شرع فيه.
ويقال: إن المال الذي صُرف في حفرة هذا الخندق أصله أن رجلا من الحفارين حفر يوما ظاهر البلد، من جهة باب الهوة حفيرا، فهوي به إلى هوة فنزل فيها فرأى مالا عظيما، فقصد جميلة - أخت سيف الدولة - وزوجته العُقيلية فأطلعها على ما وجد فنقلاه. وأخذت جميلة نصفه فصرفته في حفر الخندق. وأخذت العقيلية نصفه الآخر، وصرفته في بناء سور الربض.
ولما استولى الحاجب أبو الوفاء طاهر بن محمد على ميافارقين ولى فيها أبا علي الحسن بن علي التميمي فبنى ما تشعث من سورها وكتب عليها اسم عضد الدولة.
ولما ملكها ممهد الدولة أبو منصور " سعيد " بن مروان رمَّ في سورها مواضع، وكتب اسمه عليها.
وتهدم باب من أبواب المدينة في سنة تسع وسبعين وثلاث مائة ففتح الناس باب قلوفح وكان مسدودا مدة عمارة هذا الباب فلما فرغ منه غلق باب قلوفح.
ولما ملكها نصير الدولة أراد أن يعمر بها قصرا يسكنه فأشير عليه بعمارته على رأس التل، فأشار عليه خواجا أن يعمره موضعه الآن، ليكون برج الملك داخلا تحت حكمه.
فابتدأ في عمارته في سنة ثلاث وأربعمائة. واسمه مكتوب عليه.
وبنى المنظرة العتيقة.
وغرس بستان القصر ويقال: إنه كان مكانه بيعة.
وساق إلى القصر الماء من رأس العين التي بالربض.
وبنى نصر الدولة بها البيمارستان ووقف عليه الضياع والأملاك.
وبنى جسر الحسينية الذي على تل بنان.
وبنى قصرا على الشط، وعمل له بابا من الصفر، وهو الآن على الجامع.
وأقام الأسواق.
وبنى الحمامات.
وبنى جامع المحدثة والمصلى سنة ثلاث وعشرين وأربع مائة، ووقف عليهما أملاكا.
وبنى حمامي العقبة ووقفهما على السور.
" وكان في زمانه بالبلد شيخ من أعيان التجار يعرف بأبي بكر بن جرى استأذنه في إجراء قناة إلى الجامع من عين حنباص، فأذن له، فساقها في طرف البلد في الربض الغربي إلى أن دخل بها بين السورين من عند باب الفصيل الذي للربض وأدخلها من السور. فيقال: إنه غرم على عملها خمسين ألف دينار. ولما أجراها عبر بها على باب داره ولم يدخل منها إلى داره شيئا، لئلا يقال: إنما أجراها لمنفعته.
وبنى نصر الدولة الحصن الجديد الذي بجهة السناسنة فصار حدا وسدا في وجوههم.
وبنت ست الملك بنت نصر الدولة في سنة ست وخمسين وأربعمائة قبة إلى جانب الجامع بالميدان، ونقلت إليها أباها فدفن بها.
ولما وليها العميد قوام الملك أبو علي البلخي من قبل السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان سمع في بعض الليالي ناقوسا، فلما أصبح سأل عنه، فقيل له: إنه دير على الجبل. فجمع الناس، ومضى إليه ليهدمه، فأعطى فيه النصارى خمسين ألف دينار، على أن يتركه لهم، فأبى وهدمه.
وسقط من الجامع الجهة القبلية في ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وخمسمائة، فعمر جديدا.
وابتدأ في نقض برج الأربعين وعمره في شهور سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
هذا ما كانت عليه قديما.
ولما دخلتها اعتبرت حالها وما هي مشتملة عليه من المباني: فكانت عدة أبرجة سورها اثنين وأربعين برجا. ودون هذا السور فصيل وبينها خمسة عشر ذراعا. ولها خندق جميعه برك قد فصل بينهما بمقاطع عدته ستون بركة. تسمى الغدران أصل مائها من حنباص. وللسور أربعة أبواب.
- باب المحدثة وهو من القبلة.
- والباب الجديد وهو من الشرق.
- وباب الربض وهو من الغرب.
- وباب الهوة - يفتح من القصر - وهو من جهة الشمال.
وبها، داخل البلد قصر عظيم، كان دار السلطنة - قد تقدم ذكر من بناه - وللمدينة ربض من شمالها في وسطه عين تسمى عين الحفيرة يدخل ماء العين إلى البلد، وعليه داخل البلد أربعة أرحاء.
ولها من جهة القبلة ربض يسمى المحدثة، فيه الحانات والأسواق. وفي طرفها سوق الخيل. وفي رأس سوق الخيل جامع يعرف " بجامع " بني مروان. وفي شمالي البلد جبل يسمى حرم عباد لأن على قمته ديرا يسمى: دير عباد. وفي الجبل أديرة تسمى الحصون لمنعتها معمورة بالرهبان. وفي شرقيها ميدان وجوسق من إنشاء شهاب الدين غازي.
وبها من المدارس: - مدرسة للحنفية من إنشاء شهاب الدين غازي.
- ومدرسة للحنابلة عند باب الجامع.