وكان قد تهدم من السور مواضع عديدة فبناها، ووقف على السور وقفا من ضياع وغيرها، وجعل يتصدق كل يوم بجريب حنطة إيفاء بنذره الأول في سنة ثمان وأربع مائة، ثم إنه أفكر وقال: ربما أشتغلُ في بعض الأوقات فلا أكون قد وفيت بنذري فأحضر الشيخ أبا محمد الحسن بن محمد بن عبيد بن المحور، وكانت الأوقاف تحت يده وقال له: تجلس في الديوان عند خواجا أبي القاسم وتفرد ضيعة يكون دخلها ثلاث مائة وستين جريبا حنطة، حتى أوقفها على الفقراء والمساكين، فوقع اختيارهم على قرية العطشا - غربي ميافارقين - فوقفها نصر الدولة على الفقراء والمساكين. فكان مغلُّها في كل سنة إلى صحن الجامع، ويتصدق به مدة ولايته، وهي باقية إلى الآن، فلعنة الله على من يصرفها لغير مستحقيها، وفي غير وجهها.
" وفي سنة أربع عشرة وأربع مائة بني نصر الدولة البيمارستان من ماله، بتولي أبي سعيد الحارث بن بختيشوع " ووقف عليه الضياع، وأقام به المرضى.
وكان قد انهدم جامع الراضي فجدده وبنى منارته.
" وتزوج بنت فضلون بن منوجهر - صاحب أرمينية الكبير وأران جميعها - ورزق منها الأمير سعيد والأمير شاهان شاه - وهو الأكبر - والأمير أبا الحسن ".
" ثم تزوج السيدة بنت معتمد الدولة قرواش بن المقلد وبنى لها دار السيدة - إلى جانب القصر - ".
" ثم اشترى جارية كانت لرجل يعلمها الغناء يُّسمى الفرج فلما سمع بها بالغ في ثمنها، إلى أن اشتراها، فلما وصلت إليه اشتغل بها عن جميع نسائه. فخرجت الفضلونية إلى بيت أبيها على سبيل الزيارة، فلم ترجع، وبقي الأمير سعيد عند أبيه، وماتت هناك ".
" وفي سنة خمس عشرة وأربع مائة وصل مُرتج من عند ابن دمنة من آمد، ومعه الحمل، والتحف والهدايا على العادة، وكان صهر ابن دمنة - على ابنته - فطلب من الأمير خلوة، فلما خلا به قال له: هل لك في آمد؟ قال: نعم فقال مرتج: تحلفُ لي على ما أريد؟ فاستحلفه على أملاك ابن دمنة وأمواله، وألا يقبل فيه قول أحد من الناس، فحلف واستوثق منه.
وكان مرتج قد حصل له آمد وأملاكا كثيرة، ومالا عظيما، وكان ابن دمنة يحسده على أملاكه، فخاف مرتج منه ثم عاد إلى آمد. واستحلف جماعة على ما أراد، فلما وثق منهم تقد إلى أربعة نفر معروفين بالشهامة، ذووا البأس، وأمرهم أن يصعدوا ويطلبوا من ابن دمنة استحقاقهم، وكان مرتج ليحجب عنه، فدخل، وأولئك الأربعة معه فطالبوه - وكان على سرير لطيف - ولم يكن عنده غير فرَّاش واحد، فأغلظ لهم في الكلام، فوثبوا عليه بالسكاكين فقتلوه، فصاح الفرَّاش بالناس، فازدحم الناس في باب القصر " فدخلوا " فوجدوا ابن دمنة يخور في دمه. فصاح " الفرَّاش ": الغلمان، ودخلوا إلى البيت الذي فيه بنت ابن دمنة، وقالوا " لها " إن زوجك قد قتل أباك، فخرج أولاد مرتج، واجتمع الناس فوثب الفرَّاش على مرتج فقتله، وفتح الخزانة، وأخذ جواهر لها " قيمة "، وفتح الباب، وخرج يطلب ميافارقين.
وزحفت أهل آمد إلى القصر فنهبوا ما فيه. وملك أولاد مرتج القصر والسور، ونفذوا في الحال أعلموا نصر الدولة. فركب لوقته، ومعه خواجا فلقيهم الفرّاش في الطريق فأخبره بالحال. فأخذ نصر الدولة ما كان معه من الجواهر، وعرَّفه أين هو مال ابن دمنة، ومن أخذه، وأين ودائعه، فسار إلى آمد فملكها وعاد إلى ميافارقين ".
" وفي شعبان منها توفي خواجا أبو القاسم - الوزير - وقيل: في رمضان، فوجد عليه وجدا عظيما ".
وكان الوزير أبو القاسم الحسين بن علي المغربي قد وصل إلى ميافارقين، " فاستوزره، ورد الأمور كلها إليه. وكان رجلا عاقلا فاضلا. قيل: إنه لم يزر لملك ولا لخليفة أكفأ منه رجلا، وسار بالناس سيرة حسنة.
وبنى نصر الدولة النصرية أحسن بناء وبنى جسر الحسينية الذي على تل بنان وبنى بالنصرية قصرا حسنا على شاطئ الشط وعمل له بابا من الصفر، وهو الآن بجامع ميافارقين وعمل دولابا على شط ساتيدما.
وبنى كلٌ من بني عمه وأولاده دورا، وغرسوا بها البساتين، وأقام الأسواق، وبنى الحمامات، وحصلت ميافارقين على أحسن ما يكون من العمارة.
وقصد سليمان بن فهد.
و" قصده " الملك العزيز بن بويه وحمل الحبل الياقوت الأحمر، وكان وزنه سبعة مثاقيل ومصحفا بخط أمير المؤمنين علي عليه السلام، وقال له: قد حملت لك الدنيا والآخرة. فأجازه بعشرة آلاف دينار.