للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدرسة الزّجاجيّة - أنشأها بدر الدولة أبو الربيع سليمان بن عبد الجبّار ابن أُرتُق صاحب حلب كان وهي أوّل مدرسة بُنيت بحلب ابتُدئ في عمارتها سنة ستّ عشرة وخمسمائة وعلى حائطها مكتوب سنة سبع عشرة ولمّا أراد بناءها لم يمكّنه الحلبيّون إذ كان الغالب عليهم حينئذ التشيّع فكان كلّما بُني فيها شيء نهاراً أخربوه ليلاً إلى أن أعياده ذلك فأحضر الشرف زُهْرة بن عليّ ابن محمّد بن أبي إبراهيم الإسحاقيّ السنيّ والتمس منه أن يباشر بناءها بنفسه ليكفّ العامّة عن هدم ما يُبْتَنى فيها فباشر الشريف البناء ملازماً له حتى فُرغ منها. وكان هذا الشريف من أكابر الأشراف وذوي الرأي والأصالة والوجاهة مقدّماّ في بلده يرجع الناس إلى أمره ونهيه وكان معظّم القدر عند الملوك. ولمّا توجّه عماد الدين زنكي إلى الموصل في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة أخذه معه وأخذ القاضي أبا الحسن بن الخشاّن وعزّ الدين أبا عبد الله محمّد بن إسماعيل بن الجليّ فمات الشريف بالموصل سنة أربعين.

ولما كملت المدرسة فوّض أمرها تدريساّ ونظراّ للشيخ شرف الدين أبي طالب عبد الرحمان بن الحسن بن عبد الرحمان بن طاهر بن محمّد بن محمّد بن الحسن بن عليّ الكرابيسيّ صاحب الإمام الشافعيّ رضه المعروف بابن العجميّ الناقل جدّه أبو صالح عبد الرحمان بن طاهر إلى حلب سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.

ولمّا ملك الأتابك عماد الدين زنكي بن قسيم الدولة آق سُنْقُر حلب في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة نقل عماد الدين والده قسيم الدولة آق سُنْقُر من قَرَنْبيا وكان مدفوناً بها فدفنه في شماليّ هذه المدرسة وزاد في وقفها لأجل القرّاء المرتّبين في التربة.

ولم يزل شرف الدين بن العجميّ المذكور مدرّساً بها إلى أن تُوفّي بحلب سنة إحدى وستين وخمسمائة. وتولّى التدريس بعده حفيداه مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل وأخوه زين الدين أبو الحسين عبد الكريم وقيل عبد الملك ابن نصر الله وكانا من العلماء المتميّزين والفضلاء المبرّزين ولم يزالا مدرّسَيْن إلى أن أخرجهما منها صلاح الدين وولى فيها الشيخ كمال الدين عمر ابن أبي صالح عبد الرحيم بن الشيخ شرف الدين أبي طالب وكان حافظاً لكتاب المهذّب ولم يزل بها مدرّساً إلى أن تُوفّي يوم الأربعاء قبل الظهر حادي عشر شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وستّمائة وكان سبب موته أنه كان به وسواس فصعد إلى خزانة الحمّام ليطهّر منها فغرق فيها ومات ومولده يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرّم سنة سبع وخمسين وخمسمائة وكان قد اشتغل بالفقه على وَلدَي عّمته اللذَيْن أخذ منها المدرسة. ثمّ وليها بعده ولده عماد الدين محمّد ولم يزل مدرّساّ بها إلى أن توفّي يوم الاثنين عشر شعبان سنة تسع وأربعين وستّمائة وكان مولده ليلة الخميس ثالث عشر شهر رمضان سنة إحدى عشر وستمائة. ثمّ ولي بعده أخوه محي الدين عبد الله ولم يزل مدرّساً بها إلى أن تُوفّي في أواخر ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة. وكان مولده رابع المحرّم سنة تسع وستمائة. ثمّ وليها بعده ولده بهاء الدين أحمد ولم يزل بها مدرّساً إلى أن كانت فتنة التتر بحلب سنة ثمان وخمسين وستمائة فخرج عنها.

<<  <   >  >>