للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه القناة قيل هي عين إبراهيم الخليل عم وهي تأتي من حَيْلان قرية شماليّ حلب وقيل إنّ الملك الّذي بنى حلب وزن ماءَها إلى وسط المدينة وبنى عليها وهي تأتي إلى مشهد العافية تحت بُغاذين وتركّب بعد ذلك على بناء محكم رُفع لها لانخفاض الأرض في ذلك الموضع ثمّ تمرّ إلى أن تصل إلى بابِلَّى وهي ظاهرة في مواضع ثمّ تمرّ في جباب قد حُفرت لها إلى أن تنتهي إلى باب القناة وتظهر في ذلك المكان ثمّ تمرّ تحت الأرض إلى أن تدخل إلى باب أربعين وتنقسم في طرق متعدّدة إلى البلد وقيل إنّ الملك الّذي بنى حلب لمّا انتهت القناة أعطى للصانع الّذي ساق الماء عليها مائة ألف دينار.

ولأهل حلب صهاريج في دورهم فيها الماء منها إلاّ ما كان من الأمكنة المرتفعة كالعقبة وقلعة الشريف فإنّ صهاريجهم من المطر وكان الّذي حفرها أجراها إلى كنيسته التي جدّدتها هَيْلاني أمّ قسطنطين وصارت كما قدّمنا مدرسةً.

وقيل إنّ القناة دثرت وإنّ عبد الملك بن مَرْوان جدّدها في ولايته والذي أدخلها إلى حلب الشيخ الأمين بن الفُصَيْصيّ الذي تغلّب على قنّسرين ولم يدخلها داره حتّى لا يُقال عنه لحظّ نفسه.

وقد قيل إنّ هذه القناة إسلاميّة والصحيح أنّها روميّة وكانت لا تدخل في قديم الزمان إلاّ إلى الجامع فقط.

وفي أيّام نور الدين محمود " بن " زنكي أخرج منها قطعةً إلى المطهرة التي غربيّ الجامع بسوق السلاح. وعُمل منها قسطل إلى رأس الشُعَبييّن وأخرج نور الدين المكور قطعةً أخرى إلى الخشّابين وساق منها إلى الرَحْبة الكبيرة داخل باب قنّسرين ثمّ انقطع ذلك كلّه بعد وفاة نور الدين ولم ندرك من القناة شيئاً سوى قسطل الخشّابين فقط.

فلمّا كانت سنة خمس وستّمائة سيّر الملك الظاهر غياث الدين غازي بن الملك الناصر صلاح الدين إلى دمشق فأحضر صنّاعاً وخرج بنفسه وأوقفهم على أصل هذه القناة الّتي يخرج من حَيْلان وأمرهم باعتبار الماء الخارج منها وما ويصل منه إلى حلب فأخبروه الصنّاع أنّ مقدار الماء الخارج من أصل القناة مائة وستّون إصبعاً ووصل إلى حلب عشرون إصبعاً لا غير فضمن له الصنّاع أنّهم يكفوا جميع سكك حلب وشوارعها وأدرها ومدارسها وربطها ويفضل منه كثير يُصرَف إلى البساتين والأراضي فشرع الملك الظاهر فيها وبدأ أولاً بإصلاح المجرى الّذي لها من حَيْلان إلى بلد حلب وباشر لك بنفسه وأحضر إليها جميع الأمراء فضربوا خيمهم على سيفها ثمّ أمر بذرعها من حَيْلان إلى باب حلب فكانت خمسة وثلاثين ألف ذراع بذراع النجّارين وهو ذراع ونصف ثمّ قسم قطعاً على الأمراء وأضاف إليهم صنّاعاً وفعَلةً وحمل إليهم الكلس والزيت والحجارة والآجرّ فأُصلحت جميعها وكانت منكشفةً لا سقف لها فقطع الطوابيق من الصخور الصلبة وطبّقها جميعها إلاّ مواضع جعلها برسم تنقيتها وشرب الماء منها وأُجري جميع المجرى إلى باب حلب في ثمانية وخمسين يوماً.

ولمّا اتّصلت بالبلد أمر ببناء القساطل. فأوّل قسطل بناه القسطل الّذي على باب أربعين تحت الرباط الّذي بناه الأمير شهاب الدين طُغريل الأتابك من رأس خندق الروم وصورته حوض طوله عشرون ذراعاً في رأسَيْه المشرقيّ والمغربيّ قبّتان في وسطيهما كالصهريجّيْن لكلّ واحد منهما أنبوب مقدار الإصبع يفيض ليلاً ونهاراً. ووّلى عمارته فخر الدين موسى بن شمس الخلافة محمّد بن مختار المصريّ. ثمّ ساق هذه القناة إلى داخل باب أربعين. ثم أخذ منها قطعةً ودخل بها إلى المعقليّة وأمر قبُني قسطل على باب المسجد المعروف ببني الأستاذ. ثم بُني قسطل آخر في وسط المعقليّة ثم بُني قسطل في آخر المعقليّة بينه وبين القسطل وثلاثمائة ذراع ثمّ ساق الماء منها إلى المسجد الّذي داخل باب النصر وعمل عنده قسطلاً أيضاً ثمّ ساق الماء منه إلى قدّام باب النصر وعمل حوضاً كبيراً طوله قريب من عشرين شبراً فيه ثلاثة أنابيب تفيض ليلاً ونهاراً ثمّ من هذا القسطل إلى باحَسيتا وعمل فيها قسطلَيْن وهناك انتهى طريق المعقليّة.

<<  <   >  >>