للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأُصْبِحُ مَغْلوباً عَلَى حُكْمِ رَأْيِهِ ... وَقَدْ عِشْتُ دَهْراً مَا عَليَّ أَمِيرُ

أَشِيمُ رِكابِي فِي بِلادٍ غَرِيبَةٍ ... مِنَ العِيسِ لَمْ يُسْرَحْ بِهِنَّ بَعِيرُ

فَقَدْ جُهِلَتْ حَتَّى أَرادَ خَبِيرُها ... بِوِادِي القَطِينِ أَنْ يُلُوحَ سَنِيرُ

وَكَمْ طَلَبَتْ ماءَ الأَحصِّ بِآمِدٍ ... وَذَلِكَ ظُلمٌ للرَجاء كبيرُ

عِدُوها قُوَيْقاً وُاطْلُبُوا لِجَنِينِها ... بِجلنبِ جِسْمِي أَنْ تَهُبَّ دَبُورُ

فَواللهِ ما رِيحُ الصَبا بِحَنِينِهِ ... إِلَيْها وَلا ماءُ الأَحَصِّ نَمِيرُ

سَقَى الهَضْبَةَ الأَدْماءَ مِنْ رُكْنِ جَوْشَنٍ ... سِحابٌ يُسَدِّي نَوْرَهُ وَيُنِيرُ

وَحَلَّ عُقُودَ المُزْنِ فِي حَجَراتِهِ ... نَسِيمٌ بِأَدْواءِ القُلُوبِ خَبِيرُ

فَما ذَكَرَتْهُ النَفْسُ إِلاَّ تَبادَرَتْ ... مَدامِعُ لا يُخْفَى بِهِنَّ ضَمِيرُ

وقال أيضاً في مثل ذلك:

قُلْ لِلنَسّيمِ: إِذا حَمَلْتَ تَحيَّةً ... فَاهْدِ السَلامَ لِجَوْشَنٍ وَهِضابِهِ

وَاسْأَلْهُ: هَلْ سَحَبَ الرَبِيعُ رِداءَهُ ... فِيها وَجَرَّ الفَضْلَ مِنْ هُدّابِهِ

وَتَبَسَّمَتْ عَنْهُ الرِياضُ وَأَفْصَحَتْ ... بِثَناءٍ بارِقِهِ وَمَدْحِ سَحابِهِ

وَلَقَدْ حَنَنْتُ وَعادِلي مِنْ نَحْوِهِ ... شَجَنٌ بَخِلْتُ بِهِ عَلى خُطّابِهِ

وَصَبابَةٌ عَلِقَتْ بِقَلْبِ مُتَيَّمٍ ... وَصَلَ الغَرامُ إِلَيْهِ قَبْلَ حِجابِهِ

وَإِذا الغَرِيبُ صَبا إِلى أَوْطانِهِ ... شَوْقاً فَمَعْناهُ إِلى أَحْبابِه

وممّا قاله أبو الفتيان محمّد بن سلطان بن حيّوس من قصيدة مدح بها الأمير شرف الدولة أبا المكارم مسلم بن قريش لمّا فتح حلب في شهور سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة:

ما أَدْرَكَ الطَلَباتِ غَيْرُ مُصَمِّمِ ... إِنْ أَقْدَمَتْ أَعداؤُه لَمْ يُحْجِمِ

لا يَشْتَكُونَ إِلَيْكَ نائِبَةً سِوَى ... تَقْصِيرِهِمْ عَنْ شُكْرٍ هذِي الأَنْعُمِ

أَقْدَمْتَ أَمْنعَ مُقدِمٍ وَغَنِمْتَ أَوْ ... في مَغْنَمِ وَدِمْتَ أَسْعَدَ مَقْدَمِ

وَلَقَدْ ظَفِرْتَ بِما يَعِزُّ مَرامُهُ ... إلآَّ عَلَيْكَ فَدُمْ عَزِيزاً وَاسْلَمِ

كانَتْ تُعَدُّ مِنَ المَعاقِلِ بُرْهَةً ... وَسَمَتْ بِمُلْكِكِ وَهْي بَعْضُ الأَنْجُمِ

فَضَلَتْ عَلى كُلِّ البِقاعِ وَبَيَّنَتْ ... فَضْلَ الصَبُورِ عَلى المُمِضِّ المُؤْلِمِ

مَنْ ذادَ عَنْها نَخْوَةً لَمْ يَخْشَ مِنْ ... عَنَتِ العِتابِ وَلا مَلامِ اللُوَّمِ

ومّما قاله الأمير أبو الفتح الحسن بن عبد الله بن أبي حصينة المعرّيّ حين ظفر معزّ الدولة أبو علوان ثِمال بن صالح بن مِردْاس برفق الخادم حين ندبه المستنصر صاحب مصر لمحاصرة حلب فهرب أصحاب رفق وأُسر بعد أن أقام محاصراً حلب مدّةً ووقع برأسه ضربةٌ مثخنة فتُوفّي بها:

يا رفْقُ رِفْقاً رُبَّ فَخْلٍ غَرَّه ... ذا المَشْرَبُ الأَهْنَى وَهذا المَطْعَمُ

حَلَبٌ هِيَ الدُنيا وَمَطْعَمُها لَنا ... طَعْمانِ شُهْدٌ فِي المَذاقِ وَعَلْقَمُ

قَدْ رامَها صِيدُ المُلُوكِ فَعاوَدُوا ... عَنْها وَما غَنِمُوا وَلكِنْ أَغْنَمُوا

وممّا قاله الوزير أبو القاسم الحسين بن عليّ بن الحسين بن المغربيّ في ذلك:

أَمّا إلى حَلَبِ فَقَلْبِي نازِحٌ ... أَبَداً وَماءُ عَلاقَتِي مُتَصَوِّبُ

بَلَدٌ عَرَفْتُ بِها العَذُولَ مُكَمَّماً ... عَنِّي وَشَيْطانَ الغَوايَةِ يَحْلِبُ

أَيّامَ أَرْكَبُ مِنْ شَبابِي جامِحاً ... فَيَمُرُّ بِي فِيما يَشاءُ وَيَذْهَبُ

هَيْهاتَ لا تِلْكَ اللَيالي عُوَّدٌ ... أَبَداً وَلا ذاكَ الزَمانُ مُعَقِّبُ

لَهْفِي عَلَيْهِ وَإِنْ تَمَطَّقَ عاذِلٌ ... فِيهِ وَأَفْصَحَ عَنْهُ حَيْسٌ مُهْذَبُ

وقال أيضاً:

يا صاحِبَيَّ إِذا أَعْياكُما سَقَمِي ... فَلَقِيانِي نَسِيمَ الرِيحِ مِنْ حَلَبِ

<<  <   >  >>