للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فملك بعده ابن أخيه الأمير ضحّاك بن خليدٍ رئيس وادي التَّيم، وبقي فيها إلى أن ملك نور الدين دمشق، يوم الأحد تاسع صفر سنة تسع وأربعين وخمسمائة، فوصل ضحاك إلى خدمته فقبض عليه وأخذه معه، وسار إلى بعلبكّ فقاتلها، وضيق عليها إلى أن تسلمها يوم الخميس السابع من شهر ربيع الآخر من السنة وولي فيها.

ثم إنه حَبس فيها أسرى من الفرنج فوثبوا في قلعتها، وملوكها، يوم الأحد مستهل ذي القعدة سنة ست وخمسين وخمسمائة. فسار إليها المسلمون من كل ناحية ودخلوا إليها من نقب دُلوا عليه فأخذوا وقتلوا.

وتوفي نور الدين يوم الأربعاء الحادي عشر من شوّال سنة تسع وستين وخمسمائة.

وبقيت بعلبك في يد ولده الملك الصالح إسماعيل إلى أن ملكها الملك الناصر صلاح الدين فيما ملكه من البلاد في شهر رمضان، سنة سبعين وخمسمائة. وأقطعها لشمس الدين محمد المقدّم، فعصى على صلاح الدين فيها سنة ثلاث وسبعين، فقصده على صلاح الدين، ونزل عليه في سنة أربع، ونزل على بعلبك فأجاب إلى التسليم فتسلمها وأعطاها لأخيه الملك المعظم تورانشاه.

وبقيت في يده إلى أن أخذها منه وعوضه عنها الإسكندرية وأقطعها لابن أخيه عز الدين فرخشاه.

ولم تزل في يده إلى أن توفى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. وتولاَّها ولده الملك الأمجد بهرام شاه ولم تزل في يده إلى أن قصده الملك الأشرف موسى لماّ ملك دمشق في سنة سبع وعشرين، فتسلّمها منه، وبقيت في يده إلى أن توفى رابع المحرم سنة خمس وثلاثين.

وولّي دمشق الملك الصالح عماد الدين إسماعيل واخوه، فاستولى على بعلبك. وبقيت في يده بعد أخذ الملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق إلى أن صار مع الخوارزمية، والتقى بعسكر الملك الصالح الناصر صلاح الدين صاحب حلب، فكسر. فخرج من دمشق حسام الدين بن أبي علي بعسكر، ونزل على بعلبك، وفيها أولاد الملك الصالح إسماعيل وحريمه، فحاصرها حتى تسلمها، يوم الأربعاء الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة. ولم تزل في يد الملك الصالح نجم الدين إلى أن توفي في النصف من شعبان سنة سبع وأربعين.

وملك ولده الملك المعظّم تورانشاه، وببعلبك نائبا عن أبيه الأمير سعد الدين الحميدي، فأقرّه فيها.

ولما قُتل الملك المعظم في المحرّم سنة ثمان وأربعين، واستولى على دمشق الملك الناصر صاحب وتسلّم حصونها، سيّر إلى الأمير سعد الدّين الأمير شرف الدين عيسي بن أبي القاسم فتحدَّث معه في تسليمها، فأبى، وقال: " في عنقي يمين للملك الأوحد ابن الملك المعظم، لا يمكنني التسليم إن لم يعوّضوه عنها ". فعّين له السلطان قرى من الأعمال الجزرية، تغلّ في السنة مائة ألف درهم. فسلّمها في جمادى الآخرة من السَّنة.

وبقيت في يد الملك الناصر إلى أن خرج هارباً من دمشق لما ملك التتر البلاد، وبقي الزين الحافظي بدمشق يتولّى أمرها.

وكان في بعلبك من قبل الناصر والٍ الحاجب شجاع الدّين إبراهيم، فسيّر إليه الزّين الحافظي كتابه ورسوله يطلب منه تسليم بعلبك لنوّاب التتر، فأبى، واستعد للحصار وبذل نفسه في طاعة الله.

فلما وصل كتبغا بعساكره وتسلم قلعة دمشق، قصد بعلبك وحاصرها، فقال من فيها من الفقهاء لشجاع الدين: " لا يحلّ لك العصيان لأنك تقتل خلقاً كثيراً ". فأذعن للتسليم، وخرج إلى دمشق، ومعه أولاد أخيه.

فكتب الحافظي إلى هولاكو يعرّفه أن المذكور عصى منْ دون من كان في الحصون، وأنه باغٍ، وأن قتله واجب. فلما وصل إليه الكتاب ووقف " عليه " كتب خلفه إلى كتبُغا بقتل المذكور. فلما وصل إليه الكتاب أحضر الحافظي وقال له: " هذا خطّك؟ " اعترف. فقال: " كيف تكتُب في أقوام أنا أمنتهم، وأمرُ هولاكو لا يُخالف، والله ما يضربُ رقبته إلاَّ أنت بيدك، وإلاَّ ضربتُ رقبتك ". فأحضر الحاجب المذكور وأحضر معه والي قلعة دمشق فانه كان قد عصى - وقد قدمنا ذكرَه - فقام وضربَ عُنقيْ الاثنين بيده بإثمهما.

ولم تزل بعلبك في يد نُواب التتر إلى أن انتزعتِ البلادُ منهم بكسرتهم على " عين جالوت " - وقد قدمنا ذكرها في غير ما موضع -.

<<  <   >  >>