وكتب سليمان بن وهب بقلم صلب، فاعتمد عليه اعتمادا شديدا، فصرّ القلم في يده، فأنشد: [الطويل]
إذا ما التقينا وانتضينا صوارما ... يكاد يصمّ السامعين صريرها
تساقط في القرطاس منها بدائع ... كمثل اللآلي نظمها ونثيرها
تقود أبيات البيان بفطنة ... تكشّف عن وجه البلاغة نورها
تظلّ المنايا والعطايا شوارعا ... تدور بما شئنا وتمضي أمورها
إذا ما خطوب الدهر أرخت ستورها ... تجلّت بنا عما يسرّ ستورها
وأتى رجل وكيعا، فقال: رجل يمتّ إليك بحرمة! فقال له: وما حرمتك؟ قال له:
كنت تكتب بمحبرتي عند الأعمش. فوثب وكيع إلى منزله، ثم أخرج منه دنانير لنفقته، وقال له: اعذرني فما أملك غيرها، ودفعها إليه.
وقال أبو الحسن بن لبّال في محبرة آبنوس: [الكامل]
وخديمة للعلم في أحشائها ... كلف بجمع حلاله وحرامه
لبست رداء اللّيل ثم توشّحت ... بنجومه وتتوّجت بهلاله
وحدثني عن شيخي الفقيه أبي عبد الله بن زرقون ابنه الفقيه أبو الحسين، قال:
حدّثني أبي أنه كان بسبتة أيام الشبيبة والطلب، في مجلس جمع من طلبة الأدب، فتعرّض لهم رجل بمحبرة صنعها، وأراد أن يقصد بها الوالي على حسنها، وكانت محبرة آبنوس بحلية صفراء مذهبة، فأطرقوا يروّون، فبادرهم أبو الطالب بن أبي ركب فقال: [الكامل]
جاءتك من غرر العلا زنجيّة ... في حلّة من حلية تتبختر
سوداء صفراء الحليّ كأنّها ... ليل تطرّزه نجوم تزهر
فاستحسنهما من حضر، ورأوا أنه قد أربى على الغاية فيما عنه صدر، فكتبا للرجل في رقعة، فبعد ما سار بها قليلا، رجع فأبرز منها قلم صفر مذهبا، ورغب أن يضمّن ذكره في منظوم يضاف إلى البيتين، فأطرقوا يروّون في ذلك، فبادرهم أبو طالب المذكور فقال: [الكامل]
كملت بأصغر من نجار حليّها ... تخفيه أحيانا، وحينا يظهر
خرسان إلا حين يرضع ثديها ... فتراه ينطق ما يشاء ويذكر
وقال آخر يصف دواة وأقلاما: [الخفيف]
قد بعثنا إليك أمّ العطايا ... والمنايا زنجيّة الأحساب
في حشاها من غير حرب حراب ... وهي أمضى من نافذات الحراب