٨٧٣ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» "، رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٨٧٣ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا) : كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ (إِنِّي نُهِيتُ) ، أَيْ: فِي كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَقِيلَ تَحْرِيمًا وَهُوَ الْقِيَاسُ، (أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ) ، أَيْ: عَنْ قِرَاءَتِهِ (رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا) ، أَيْ: فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَهُمَا غَايَةُ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ مَخْصُوصَيْنِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ، نَهَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَلَامِ الْخَلْقِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَكُونَانِ سَوَاءً، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي حَالِ الْقِيَامِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَكَأَنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ أَفْضَلَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْقِيَامُ، وَأَفْضَلَ الْأَذْكَارِ الْقُرْآنُ، فَجُعِلَ الْأَفْضَلُ لِلْأَفْضَلِ، وَنُهِيَ عَنْ جَعْلِهِ فِي غَيْرِهِ لِئَلَّا يُوهِمَ اسْتِوَاءَهُ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ، وَقِيلَ خُصَّتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ، وَيَتَمَحَّضَانِ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُمَا بِذَوَاتِهِمَا يُخَالِفَانِ الْعَادَةَ وَيَدُلَّانِ عَلَى الْخُضُوعِ وَالْعِبَادَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَالَانِ دَالَّانِ عَلَى الذُّلِّ وَيُنَاسِبُهُمَا الدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ، فَنُهِيَ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَتَكْرِيمًا لِقَارِئِهِ الْقَائِمِ مُقَامَ الْكَلِيمِ، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ قَالَ الْقَاضِيَ: نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى رَسُولَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، لَكِنْ لَوْ قَرَأَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، إِلَّا إِذَا كَانَ الْمَقْرُوءُ الْفَاتِحَةَ، فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا يَعْنِي: عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا، لَكِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ نَظْمُ صَلَاتِهِ، ( «فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ» ) ، أَيْ: فَقُولُوا سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ( «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا» ) ، أَيْ: بَالِغُوا (فِي الدُّعَاءِ) ، أَيْ: حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَمَا فِي: " «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ادْعُوا بَعْدَ قَوْلِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَأَمْرُهُ إِيَّاهُ بِالتَّعْظِيمِ لِلرَّبِّ فِي الرُّكُوعِ وَبِالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَلِ الْأُمَّةُ دَاخِلُونَ مَعَهُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ (فَقَمِنٌ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتُكْسَرُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: فَمَنْ فَتَحَ الْمِيمَ لَمْ يُثَنِّ وَلَمْ يُؤَنِّثْ وَلَمْ يَجْمَعْ؛ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، أَيْ: نَعْتٌ بِهِ، وَمَنْ كَسَرَ ثَنَّى وَجَمَعَ وَأَنَّثَ؛ لِأَنَّهُ وَصَفٌ، أَيْ: فِي أَصْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَمِينُ، أَيْ: مِثْلُ الْقَمِنِ بِالْكَسْرِ الْقَمِينُ بِالْيَاءِ فِي كَوْنِهِ وَصْفًا، وَالْمَعْنَى: جَدِيرٌ وَخَلِيقٌ وَلَائِقٌ وَحَقِيقٌ (أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ) : لِأَنَّ السُّجُودَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ فِيهِ إِلَى رَبِّهِ، فَيَكُونُ الدُّعَاءُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَقْرَبَ إِلَى الْإِجَابَةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَحْمَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute