قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ: كُنْتُ نَائِمًا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا زَيْدٍ إِلَى مَتَى تَدْرُسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا تَدْرُسُ كِتَابِي؟ !) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا كِتَابُكَ؟ ! قَالَ: (جَامِعُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ) .
(وَأَبِي الْحُسَيْنِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيِّ) : بِالتَّصْغِيرِ نِسْبَةً إِلَى قُشَيْرٍ قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُوَ نَيْسَابُورِيٌّ أَحَدُ أَئِمَّةِ عُلَمَاءِ هَذَا الشَّأْنِ، جَمَعَ مِنْ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ، وَغَيْرِهِمْ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَالْقَعْنِيِّ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ، وَحُفَّاظِ دَهْرِهِ كَأَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، وَأَبِي خُزَيْمَةَ، وَخَلَائِقَ. وَلَهُ الْمُصَنَّفَاتُ الْجَلِيلَةُ غَيْرُ جَامِعِهِ الصَّحِيحِ كَالْمُسْنَدِ الْكَبِيرِ صَنَّفَهُ عَلَى تَرْتِيبِ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لَا عَلَى تَبْوِيبِ الْفِقْهِ، وَكَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَبْوَابِ، وَكِتَابِ الْعِلَلِ، وَكِتَابِ أَوْهَامِ الْمُحَدِّثِينَ، وَكِتَابِ التَّمْيِيزِ، وَكِتَابِ مَنْ لَيْسَ لَهُ إِلَّا رَاوٍ وَاحِدٌ، وَكِتَابِ طَبَقَاتِ التَّابِعِينَ، وَكِتَابِ الْمُخَضْرَمِينَ. قَالَ: صَنَّفْتُ الصَّحِيحَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ مَسْمُوعَةٍ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ بِإِسْقَاطِ الْمُكَرَّرِ، وَأَعْلَى أَسَانِيدِهِ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةُ وَسَائِطَ، وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وُلِدَ عَامَ وَفَاةِ الشَّافِعِيِّ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَتُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقَدْ رَحَلَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَالْحِجَازِ، وَالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَحَدَّثَ بِهَا، وَكَانَ آخِرُ قُدُومِهِ بَغْدَادَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ عُقِدَ لَهُ مَجْلِسٌ بِنَيْسَابُورَ لِلْمُذَاكَرَةِ فَذُكِرَ لَهُ حَدِيثٌ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَقُدِّمَتْ لَهُ سَلَّةٌ فِيهَا تَمْرٌ فَكَانَ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ، وَيَأْخُذُ تَمْرَةً تَمْرَةً فَأَصْبَحَ وَقَدْ فَنِيَ التَّمْرُ، وَوَجَدَ الْحَدِيثَ، وَيُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ ; وَلِذَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: كَانَتْ وَفَاتُهُ لِسَبَبٍ غَرِيبٍ نَشَأَ مِنْ غَمْرَةِ فِكْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ. وَسِنُّهُ قِيلَ: خَمْسٌ وَخَمْسُونَ، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ، وَقَالَ: إِنَّهُ قَارَبَ السِتِّينَ، وَهُوَ أَشْبَهُ مِنَ الْجَزْمِ بِبُلُوغِهِ السِتِّينَ.
قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا عَلَّامَةُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَبَحِّرِينَ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْجَزَرِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِهِ لِلْمَصَابِيحِ الْمُسَمَّى بِتَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ: إِنِّي زُرْتُ قَبْرَهُ بِنَيْسَابُورَ، وَقَرَأْتُ بَعْضَ صَحِيحِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّيَمُنِ، وَالتَّبَرُّكِ عِنْدَ قَبْرِهِ، وَرَأَيْتُ آثَارَ الْبَرَكَةِ، وَرَجَاءَ الْإِجَابَةِ فِي تُرْبَتِهِ.
(وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) : وَهُوَ غَيْرُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ كَمَا تُوُهِّمَ (الْأَصْبَحِيِّ) : نِسْبَةً إِلَى ذِي أَصْبَحَ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ أَحَدِ أَجْدَادِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ، وَأُخِّرَ عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ ذِكْرًا، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِمَا وَجُودًا، وَرُتْبَةً، وَإِسْنَادًا لِتَقَدُّمِ كِتَابَيْهِمَا عَلَى كِتَابِهِ تَرْجِيحًا ; لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ تَصْحِيحًا، وَهُوَ مِنْ تَابِعِي التَّابِعِينَ، وَقِيلَ: مِنَ التَّابِعِينَ إِذْ رُوِيَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَصُحْبَتُهَا ثَابِتَةٌ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: كِتَابُ مَالِكٍ صَحِيحٌ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ مَنْ تَقَلَّدَهُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ، وَالْمُنْقَطِعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: مَا فِيهِ مِنَ الْمَرَاسِيلِ فَإِنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ بِلَا شَرْطٍ، وَعِنْدَ مَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِالْمُرْسَلِ - حُجَّةٌ أَيْضًا عِنْدَنَا إِذَا اعْتُمِدَ، وَمَا مِنْ مُرْسَلٍ فِي الْمُوَطَّأِ إِلَّا وَلَهُ عَاضِدٌ، أَوْ عَوَاضِدُ ; فَالصَّوَابُ إِطْلَاقُ أَنَّ الْمُوَطَّأَ صَحِيحٌ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ، وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ كِتَابًا فِي وَصْلِ مَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنَ الْمُرْسَلِ، وَالْمُنْقَطِعِ، وَالْمُعْضَلِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مُرْسَلَ الثِّقَةِ تَجِبُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَيَلْزَمُ بِهِ الْعَمَلُ كَمَا تَجِبُ بِالْمُسْنَدِ سَوَاءً، قَالَ الْبُخَارِيُّ إِمَامُ الصَّنْعَةِ: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ مُشْتَهِرٌ، وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ قَالُوا: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ عَنْ مَالِكٍ الشَّافِعِيُّ ; إِذْ هُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَحْمَدُ: جَمَعْتُ الْمُوَطَّأَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، ثُمَّ مِنَ الشَّافِعِيِّ فَوَجَدْتُهُ أَقْوَمَهُمْ بِهِ، وَأَصَحُّهَا عَنِ الشَّافِعِيِّ أَحْمَدُ، وَلِاجْتِمَاعِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذَا السَّنَدِ قِيلَ لَهَا: سِلْسِلَةُ الذَّهَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute