أَوْ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ، وَقَبْرُهُ مَشْهُورٌ بِهِ، وَوُلِدَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ عَلَى الْأَشْهَرِ. قِيلَ: مَكَثَ حَمْلًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَقِيلَ أَكْثَرَ، وَقِيلَ: سَنَتَيْنِ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: مَاتَ وَلَهُ تِسْعُونَ سَنَةً. وَقِيلَ: مَالِكٌ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، وَأَبِي الْمُنْكَدِرِ، وَنَافِعٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَهُشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَجَمْعٍ كَثِيرٍ، وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ شُيُوخِهِ، وَمِنْ أَجِلَّاءِ التَّابِعِينَ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ، وَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ: ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ. قَالَ مَالِكٌ: قَلَّ مَنْ أَخَذْتُ عَنْهُ الْحَدِيثَ أَنَّهُ مَا جَاءَنِي، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنِّي الْفَتْوَى.
(وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ) : نِسْبَةٌ إِلَى شَافِعٍ أَحَدِ أَجْدَادِهِ، قِيلَ: شَافِعٌ كَانَ صَاحِبَ رَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَأُسِرَ، وَفَدَى نَفْسَهُ فَأَسْلَمَ، وَقِيلَ: لَقِيَ شَافِعٌ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مُتَرَعْرِعٌ، وَأَسْلَمَ أَبُوهُ السَّائِبُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ السَّائِبُ صَاحِبَ رَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُسِرَ، وَفَدَى نَفْسَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ يَظْهَرُ وَجْهُ تَخْصِيصِ النِّسْبَةِ إِلَيْهِ، ثُمَّ نِسْبَةُ أَهْلِ مَذْهَبِهِ أَيْضًا شَافِعِيٌّ.
وَقَوْلُ الْعَامَّةِ: شَافِعَوِيٌّ خَطَأٌ، وَهُوَ الْمُطَّلِبِيُّ الْحِجَازِيُّ الْمَكِّيُّ ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَلْتَقِي مَعَهُ فِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَوَرْدَ خَبَرٌ ( «عَالِمُ قُرَيْشٍ يَمْلَأُ طِبَاقَ الْأَرْضِ عِلْمًا» ) طُرُقُهُ مُتَمَاسِكَةٌ، وَلَيْسَ بِمَوْضُوعِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ كَمَا بَيَّنَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَالْبَيْهَقِيِّ، وَالنَّوَوِيِّ. وَقَالَ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، وَمِمَّنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَحْمَدُ، وَتَبِعَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ، وُلِدَ بِغَزَّةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: بِعَسْقَلَانَ، وَقِيلَ: بِالْيَمَنِ، وَقِيلَ: بِمِنًى، وَقِيلَ: بِالْبَحْرِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ اتِّفَاقًا، وَهِيَ سَنَةُ وَفَاةِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقِيلَ: وُلِدَ يَوْمَ مَوْتِهِ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا التَّقْيِيدُ لَمْ أَجِدْهُ إِلَّا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَمَّا بِالْعَامِّ، فَهُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ التَّوَارِيخِ، وَنَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي ضِيقِ عَيْشٍ بِحَيْثُ كَانَتْ لَا تَجِدُ أُجْرَةَ الْمُعَلِّمِ، وَكَانَ يُقَصِّرُ فِي تَعْلِيمِهِ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَلَقَّفُ مَا يُعَلِّمُهُ لِغَيْرِهِ فَإِذَا ذَهَبَ عَلَّمَهُمْ إِيَّاهُ فَكَفَى الْمُعَلِّمَ أَمْرَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا لَوْ أَعْطَاهُ أُجْرَةً فَتَرَكَهَا، وَاسْتَمَرَّ حَتَّى تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ لِسَبْعِ سِنِينَ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ مُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ يَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ فِي الْعِظَامِ، وَنَحْوِهَا، لِعَجْزِهِ عَنِ الْوَرَقِ، وَكَانَ يُؤْثِرُ الشِّعْرَ، وَالْأَدَبَ إِلَى أَنَّ تَمَثَّلَ بِبَيْتٍ، وَعِنْدَهُ كَاتِبُ أُسْتَاذِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ مُفْتِي مَكَّةَ، فَقَرَعَهُ بِسَوْطٍ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مِثْلُكَ يَذْهَبُ بِمُرُوءَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا! أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْفِقْهِ؟ ! فَهَزَّهُ ذَلِكَ إِلَى مُجَالَسَةِ مُسْلِمٍ، وَمِنْ أَشْعَارِهِ:
يَا أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ حُبُّكُمُ ... فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ أَنْزَلَهُ
كَفَاكُمُ مِنْ عَظِيمِ الْقَدْرِ أَنَّكُمُ ... مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْكُمْ لَا صَلَاةَ لَهُ
ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَعُمْرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَازَمَ مَالِكًا فَأَكْرَمَهُ، وَعَامَلَهُ لِنَسَبِهِ، وَعَلَّمَهُ، وَفَهَّمَهُ، وَأَدَّبَهُ، وَعَقَّلَهُ بِمَا هُوَ اللَّائِقُ بِهِمَا، وَكَانَ حَفِظَ الْمُوَطَّأَ بِمَكَّةَ لَمَّا أَرَادَ الرِّحْلَةَ إِلَى مَالِكٍ حِينَ سَمِعَ أَنَّهُ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مَالِكٌ يَسْتَزِيدُهُ مِنْ قِرَاءَتِهِ ; لِإِعْجَابِهِ بِهَا حَتَّى قَرَأَهُ عَلَيْهِ فِي أَيَّامٍ يَسِيرَةٍ، وَقَالَ لَهُ مَرَّةً لَمَّا تَفَرَّسَ فِيهِ النَّجَابَةَ، وَالْإِمَامَةَ: اتَّقِ اللَّهَ إِنَّهُ سَيَكُونُ لَكَ شَأْنٌ، وَأُخْرَى إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَلْقَى عَلَيْكَ نُورًا فَلَا تُطْفِئْهُ بِالْمَعْصِيَةِ ; قَالَ: فَمَا ارْتَكَبْتُ كَبِيرَةً قَطُّ. ثُمَّ بَعْدَ وَفَاةِ مَالِكٍ رَحَلَ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْيَمَنِ، وَوَلِيَ بِهَا الْقَضَاءَ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَجَدَّ فِي التَّحْصِيلِ، وَنَاظَرَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، وَغَيْرَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute