للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ أَوْ بِاجْتِهَادٍ مِنْكَ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي لِبَعْضِ نِسَائِكَ ; لِأَنَّ عَادَتَكَ أَنْ تُصَلِّيَ النَّوَافِلَ فِي بَيْتِكَ، قِيلَ: عَدَلَتْ إِلَى هَذَا الْإِطْنَابِ عَنْ (نَعَمْ) مَزِيدًا لِلتَّصْدِيقِ وَاسْتِدْرَارًا لِتَعَطُّفِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَيْهَا، وَعَفْوِهِ عَنْ هَذَا الذَّنْبِ الْمُقْتَضِي لِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ الْحَامِلِ عَلَيْهِ عَظِيمُ الْغَيْرَةِ الَّتِي قَدْ يُؤَدِّي إِلَى خَرْمِ التَّكْلِيفِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّ يُعَاتِبْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى كَسْرِهَا لِقَصْعَةِ ضَرَّةٍ لَهَا أَرْسَلَتْ فِيهَا إِلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَعَامًا، وَإِنَّمَا قَالَ تَمْهِيدًا لِعُذْرِهَا غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ أَخَذَ قَصْعَتَهَا وَأَرْسَلَهَا لِتِلْكَ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهَا مَعَ أَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ.

وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ: أَنَّهُ لَوْ قَالَتْ: " نَعَمْ " لَكَانَ كُفْرًا بَلْ عَدَلَتْ عَنْ " لَا " لِظُهُورِ عَدَمِ إِنْكَارِهَا وَبَيَّنَتْهُ بِقَوْلِهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَذَكَرَتِ الْمَعْذِرَةَ فِي خُرُوجِهَا وَاعْتَرَفَتْ بِتَقْصِيرِهَا، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ، وَذَكَرَ عُذْرَهُ فِي خُرُوجِهِ عَنْهَا تَسْلِيَةً لَهَا. (فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْزِلُ) ، أَيْ: مِنَ الصِّفَاتِ الْجَلَالِيَّةِ إِلَى النُّعُوتِ الْجَمَالِيَّةِ زِيَادَةَ ظُهُورٍ فِي هَذَا التَّجَلِّي ; إِذْ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: (سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي) وَفِي رِوَايَةٍ: غَلَبَتْ. (لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ) : وَهِيَ: لَيْلَةُ الْبَرَاءَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِهَا ; لِأَنَّهَا لَيْلَةٌ مُبَارَكَةٌ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ وَيُدَبَّرُ كُلُّ خَطْبٍ عَظِيمٍ مِمَّا يَقَعُ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا مِنَ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى يَكْتُبَ الْحُجَّاجَ وَغَيْرَهُمْ. (إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) ، أَيْ: قَاصِدًا إِلَى السَّمَاءِ الْقَرِيبَةِ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا الْمُتَلَوِّنِينَ بِالْمَعْصِيَةِ، الْمُحْتَاجِينَ إِلَى إِنْزَالِ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِمْ وَأَذْيَالِ الْمَغْفِرَةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا النُّزُولَ الْمُكَنَّى بِهِ عَنِ التَّجَلِّي الْأَعْظَمِ وَنُزُولِ الرَّحْمَةِ الْكُبْرَى وَالْمَغْفِرَةِ الْعَامَّةِ لِلْعَالِمِينَ، لَا سِيَّمَا أَهْلَ الْبَقِيعِ يَعُمُّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَتَمْتَازُ بِذَلِكَ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي ; إِذِ النُّزُولُ الْوَارِدُ فِيهَا خَاصٌّ بِثُلُثِ اللَّيْلِ، (فَلِيَغْفِرَ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ (غَنَمِ كَلْبٍ) ، أَيْ: قَبِيلَةِ بَنِي كَلْبٍ، وَخَصَّهُمْ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ غَنَمًا مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ، نَقَلَ الْأَبْهَرِيُّ عَنِ الْأَزْهَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِغُفْرَانِ أَكْثَرَ عَدَدُ الذُّنُوبِ الْمَغْفُورَةِ لَا عَدَدُ أَصْحَابِهَا، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ اهـ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآتِي: فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ، فَالْمُرَادُ أَصْحَابُهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ زَمَانُ التَّجَلِّيَاتِ الرَّحْمَانِيَّةِ، وَالتَّنَزُّلَاتِ الصَّمَدَانِيَّةِ، وَالتَّقَرُّبَاتِ السُّبْحَانِيَّةِ الشَّامِلَةِ لِلْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ الْأَوْفَى لِأَرْبَابِ الِاخْتِصَاصِ، فَالْمُنَاسِبُ الِاسْتِيقَاظُ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ وَالتَّعَرُّضُ لِنَفَحَاتِ الرَّحْمَةِ، وَأَنَا رَئِيسُ الْمُسْتَغْفِرِينَ، وَأَنِيسُ الْمُسْتَرْحِمِينَ، وَشَفِيعُ الْمُذْنِبِينَ، بَلْ وَرَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ خُصُوصًا أَمْوَاتَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَلَا يَلِيقُ لِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُمْتَثِلًا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي أَدْعُو بِالْمَغْفِرَةِ لِأُمَّتِي، وَأَطْلُبُ زِيَادَةَ الرَّحْمَةِ لِذَاتِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْ نِعْمَتِهِ، أَوْ يَسْتَنْكِفَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَالتَّعَرُّضِ لِخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَقَدْ أَرَادَ اللَّهُ لَكَ الْخَيْرَ بِالْقِيَامِ وَتَرْكِ الْمَنَامِ وَمُتَابَعَةِ سَيِّدِ الْأَنَامِ، وَحُصُولِ الْمَغْفِرَةِ بِبِرْكَتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَزَادٌ رَزِينٌ: " مِمَّنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ) .

قُلْتُ: وَمَنِ الَّذِي لَمْ يَسْتَحِقَّ النَّارَ لَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ الْمَلِكِ الْغَفَّارِ؟ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ بَيَّنْتُهَا ثَمَّ بِغَيْرِ الْمُشَاحِنِ وَقَاطِعِ الرَّحِمِ وَمُدْمِنَ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِمْ.

(وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ -) : وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ (يُضَعِّفُ) ، أَيِ: الْبُخَارِيُّ (هَذَا الْحَدِيثَ) : وَيَقُولُ: يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ، نَقَلَهُ مِيرَكُ، لَكِنْ يَعْمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، قِيلَ: وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْبَابِ الْإِيذَانُ بِأَنْ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِمَا وَرَدَ فِي إِحْيَائِهَا مِنَ الثَّوَابِ مَا لَا يُحْصَى، كَانَتْ كَالْمُقَدِّمَةِ لِقِيَامِ رَمَضَانَ فَاسْتَدْعَى ذِكْرُهُ ذِكْرَهَا اهـ.

وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ: أَوْ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا كَانَ فِي الْقِيَامِ، وَالْمُرَادُ الْأَعْظَمُ مِنْهُ إِدْرَاكُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَذَكَرَ لَيْلَةَ الْبَرَاءَةِ طَرْدًا لِلْبَابِ ; لِأَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ عِنْدَ بَعْضِ أُولِي الْأَلْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>