١٣٦١ - وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تُعْرَضُ صِلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ قال: يَقُولُونَ بَلِيتَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارِمِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ ".
ــ
١٣٦١ - (وَعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَوْ مُسَاوٍ (فِيهِ خُلِقَ آدَمُ) ، أَيْ طِينَتُهُ كَمَا سَبَقَ، (وَفِيهِ) ، أَيْ فِي جِنْسِهِ (قُبِضَ) ، أَيْ رُوحُهُ (وَفِيهِ النَّفْخَةُ) ، أَيِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تُوَصِّلُ الْأَبْرَارَ إِلَى النِّعَمِ الْبَاقِيَةِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، أَيِ النَّفْخَةُ الْأُولَى فَإِنَّهَا مَبْدَأُ قِيَامِ السَّاعَةِ وَمَقْدَمُ النَّشْأَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ (وَفِيهِ الصَّعْقَةُ) ، أَيِ الصَّيْحَةُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّوْتُ الْهَائِلُ الَّذِي يَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْ هَوْلِهِ، وَهِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى، قَالَ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: ٦٨] ، فَالتَّكْرَارُ بِاعْتِبَارِ تَغَايُرِ الْوَصْفَيْنِ وَالْأَوْلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنَ التَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ النَّفْخَةُ الْأُولَى بِالصَّعْقَةِ ; لِأَنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، وَبِهَذَا الْوَصْفِ تَتَمَيَّزُ عَنِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ: إِشَارَةٌ إِلَى صَعْقَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهِيَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ التَّجَلِّي الْإِلَهِيِّ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ الْجَبَلُ الْقَوِيُّ، فَصَارَ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، أَيْ: مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: ١٤٣] (فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ) ، أَيْ: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ فِيهَا أَفْضَلُ مَنْ غَيْرِهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ إِلَى سَبْعِينَ عَلَى سَائِرِ الْأَوْقَاتِ، وَلِكَوْنِ إِشْغَالِ الْوَقْتِ الْأَفْضَلِ بِالْعَمَلِ الْأَفْضَلِ هُوَ الْأَكْمَلُ وَالْأَجْمَلُ، وَلِكَوْنِهِ سَيِّدَ الْأَيَّامِ فَيُصْرَفُ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِ الْأَنَامِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ إِذَا عَرَفْتُمْ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ. (فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) : يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهِيَ دَائِمًا تُعْرَضُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا عِنْدَ رَوْضَتِهِ، فَيَسْمَعُهَا بِحَضْرَتِهِ، وَقَدْ جَاءَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَهَا، وَفَضِيلَةِ الْإِكْثَارِ مِنْهَا عَلَى سَيِّدِ الْأَبْرَارِ، وَالْأَلْفُ أَكْثَرُ مَا وَرَدَ مِنَ الْمِقْدَارِ، فَاجْعَلْهُ وِرْدَكَ مِنَ الْأَذْكَارِ.
(قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ بَلِيتَ، وَقِيلَ: عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الْأَرْمِ وَهُوَ الْأَكْلُ، أَيْ: صِرْتَ مَأْكُولًا لِلْأَرْضِ، وَقِيلَ: أَرَمَّتْ بِالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَالتَّاءِ السَّاكِنَةِ، أَيْ: أَرَمَّتِ الْعِظَامُ وَصَارَتْ رَمِيمًا كَذَا قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَيُرْوَى أَرْمَمْتَ بِالْمِيمَيْنِ، أَيْ صِرْتَ رَمِيمًا. قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَمْتَ بِحَذْفِ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ كَظَلْتَ، ثُمَّ كُسِرَتِ الرَّاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ يَعْنِي: أَوْ فُتِحَتْ بِالْأَخَفِّيَّةِ أَوْ بِالنَّقْلِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: أَصْلُهُ أَرْمَمْتَ فَحَذَفُوا إِحْدَى الْمِيمَيْنِ، وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ أَرَمَّتْ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ، وَإِسْكَانِ التَّاءِ، أَيْ: أَرَمَّتِ الْعِظَامُ، وَقِيلَ: فِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ كَذَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute