للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالتَّفْصِيلِ (حَضَرَهَا بِلَغْوٍ) أَيْ حُضُورًا مُلْتَبِسًا بِكَلَامِ عَبَثٍ أَوْ فِعْلِ بَاطِلٍ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ: يَلْغُو عَلَى الْمُضَارِعِ فَيَكُونُ حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِمُطَابَقَتِهِ لِلْفِقْرَاتِ الْآتِيَةِ (فَذَلِكَ) أَيِ: اللَّغْوُ (حَظُّهُ) أَيْ: حَظُّ ذَلِكَ الرَّجُلِ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ حُضُورِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ جَزَائِيَّةٌ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ ; لِكَوْنِهِ نَكِرَةً وُصِفَتْ بِجُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ لَا حَظَّ لَهُ كَامِلٌ ; لِأَنَّ اللَّغْوَ يَمْنَعُ كَمَالَ ثَوَابِ الْجُمُعَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّغْوِ مَا يَشْمَلُ التَّخَطِّيَ وَالْإِيذَاءَ، بِدَلِيلِ نَفْيِهِ عَنِ الثَّالِثِ أَيْ فَذَلِكَ الْأَذَى حَظُّهُ. (وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِدُعَاءٍ) أَيْ: مُشْتَغِلًا بِهِ حَالَ الْخُطْبَةِ حَتَّى مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ أَوْ كَمَالِهِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الثَّالِثِ بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ (فَهُوَ رَجُلٌ دَعَا اللَّهَ إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ) أَيْ: مَدْعَاهُ لِسَعَةِ حِلْمِهِ وَكَرَمِهِ (وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ) : عِقَابًا عَلَى مَا أَسَاءَ بِهِ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ ; فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا حَرَامٌ عِنْدَ غَيْرِنَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (وَرَجُلٌ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ) أَيْ: مُقْتَرِنًا بِسُكُوتٍ مَعَ اسْتِمَاعٍ (وَسُكُوتٍ) أَيْ: مُجَرَّدٍ، فَالْأَوَّلُ إِذَا كَانَ قَرِيبًا، وَالثَّانِي إِذَا كَانَ بَعِيدًا وَهُوَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مُخْتَارُ ابْنِ الْهُمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْإِنْصَاتَ وَالسُّكُوتَ بِمَعْنًى، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ، وَمَحَلُّهُ إِذَا سَمِعَ الْخُطْبَةَ فَفِي النِّهَايَةِ الْإِنْصَاتُ أَنْ يَسْكُتَ سُكُوتَ مُسْتَمِعٍ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنْصَتَ: سَكَتَ، وَأَنْصَتَ لَهُ: سَكَتَ لَهُ، وَاسْتَمَعَ لِحَدِيثِهِ وَأَنْصَتَهُ: أَسْكَتَهُ اهـ. فَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِأَنَّهُ يُسْكِتُ النَّاسَ بِالْإِشَارَةِ ; فَإِنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنَ التَّأْمِيدِ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِإِنْصَاتٍ لِلْخَطِيبِ، وَسُكُوتٍ عَنِ اللَّغْوِ (وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ) أَيْ: لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهَا (وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا) أَيْ: بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْأَذَى كَالْإِقَامَةِ مِنْ مَكَانِهِ، أَوِ الْقُعُودِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ، أَوْ عَلَى سَجَّادَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، أَوْ بِنَحْوِ رَائِحَةِ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ (فَهِيَ) أَيْ: جُمُعَتُهُ الشَّامِلَةُ لِلْخُطْبَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ (كَفَّارَةٌ) أَيْ: لَهُ. قَالَهُ الطِّيبِيُّ أَيْ: لِذُنُوبِهِ مِنْ حِينِ انْصِرَافِهِ (إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي) أَيْ: إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي (تَلِيهَا) أَيْ: تَقْرُبُهَا وَهِيَ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى مَا وَرَدَ مَنْصُوصًا (وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْجُمُعَةِ (وَذَلِكَ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ كَفَّارَةِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنَ السَّبْعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةٍ (بِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ) أَيْ: بِسَبَبِ مُطَابَقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] فَإِنَّهُ لَمَّا قَامَ بِتَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ جَاءَ بِحَسَنَةٍ تُكَفِّرُ ذَنْبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَتَتَعَدَّى الْكَفَّارَةُ إِلَى الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ بِحُكْمِ أَقَلِّ التَّضَاعُفِ فِي الْحَسَنَةِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) . قَالَ مِيرَكُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>