السَّائِلُونَ. (بِهِ) أَيْ: بِرُوحِهِ. (أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: إِلَى مَقَرِّ أَرْوَاحِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ أَوْ فِي الْجَنَّةِ، أَوْ عَلَى بَابِهَا، أَوْ تَحْتَ الْعَرْشِ بِحَسَبِ مَنْزِلَتِهِ. (فَلَهُمْ) الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ، وَالضَّمِيرُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْ لِأَرْوَاحِهِمْ. (أَشَدُّ فَرَحًا) وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَهُمْ أَفْرَحُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: اللَّامُ لَامُ الِابْتِدَاءِ مُؤَكِّدَةً نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: ١٢٦] وَهُمْ مُبْتَدَأٌ، وَأَشَدُّ خَبَرُهُ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ جَارَّةً أَيْ: لَهُمْ فَرَحٌ أَشَدُّ فَرَحًا ; فَيَكُونُ الْفَرَحُ فَرَحًا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ. (بِهِ) أَيْ: بِقُدُومِهِ. (مِنْ أَحَدِكُمْ) أَيْ: مِنْ فَرَحِهِ. (بِغَائِبِهِ) أَيِ: الْمَخْصُوصِ بِهِ. (يَقْدَمُ عَلَيْهِ) أَيْ: حَالَ قُدُومِهِ. (فَيَسْأَلُونَهُ) أَيْ: بَعْضُ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ) . (مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟) أَيْ: كَيْفَ حَالُهُ وَشَأْنُهُ؟ أَيْ: فِي الطَّاعَةِ لِيَفْرَحُوا بِهِ وَيَدْعُوا لَهُ بِالِاسْتِقَامَةِ أَوْ فِي الْمَعْصِيَةِ لِيَحْزَنُوا عَلَيْهِ، وَيَسْتَغْفِرُوا لَهُ. (مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟) تَأْكِيدٌ، أَوِ الْمُرَادُ شَخْصٌ آخَرُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. (فَيَقُولُونَ) أَيْ: بَعْضٌ آخَرُ مِنَ الْأَرْوَاحِ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَيَقُولُ: أَيْ: بَعْضُهُمْ أَوْ أَحَدُهُمْ. (دَعُوهُ) أَيِ: اتْرُكُوهُ. (الْآنَ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَسْتَرِيحَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: دَعُوا الْقَادِمَ فَإِنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِتَعَبِ الدُّنْيَا. (فَإِنَّهُ) أَيِ: الْقَادِمُ. (فِي غَمِّ الدُّنْيَا) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا فَكَانَ زَائِدَةٌ، أَوْ ضَمِيرُ فَإِنَّهُ لِلشَّأْنِ، وَكَانَ أَيِ: الْقَادِمُ فِي غَمِّ الدُّنْيَا إِلَى الْآنَ مَا اسْتَرَاحَ مِنْ هَمِّهَا. (فَيَقُولُ) أَيِ: الْقَادِمُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ، وَالْجُمْلَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا مُعْتَرِضَةٌ. (قَدْ مَاتَ) أَيْ: فُلَانٌ الْمَسْئُولُ، أَوْ فُلَانٌ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَقْرَبُ. (أَمَا أَتَاكُمْ) أَيْ: أَمَا جَاءَكُمْ. (فَيَقُولُونَ) وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا قَالَ لَهُمْ: مَا أَتَاكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ. يَقُولُونَ أَيْ: أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ: (قَدْ ذُهِبَ بِهِ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْفَاءِ كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا
أَيْ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ: إِنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَلْحَقْ بِنَا فَقَدْ ذُهِبَ بِهِ اهـ.
وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ بِلَفْظِ أَوَمَا أُوتِيَ عَلَيْكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَوَقَدْ هَلَكَ. فَيَقُولُ: أَيْ وَاللَّهِ، فَيَقُولُونَ: نَرَاهُ قَدْ ذُهِبَ بِهِ. (إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ) أَيِ: النَّارِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة: ٩] لِأَنَّهَا مَأْوَى الْمُجْرِمِ، وَمَقَرُّهُ كَمَا أَنَّ الْأُمَّ لِلْوَلَدِ كَذَلِكَ ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا زِيدَ فِي رِوَايَةِ: فَبِئْسَتِ الْأُمُّ الْمُرَبِّيَةُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْأُمُّ الْمَصِيرُ، أُطْلِقَ عَلَى الْمَأْوَى عَلَى التَّشْبِيهِ ; لِأَنَّ الْأُمَّ مَأْوَى الْوَلَدِ وَمَقَرُّهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ} [العنكبوت: ٢٥] وَالْهَاوِيَةُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَأَمَّا فِي الْآيَةِ فَخَبَرٌ لِأُمِّهُ وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ، كَأَنَّهَا النَّارُ الْعَمِيقَةُ تُهْوِي أَهْلَ النَّارِ فِيهَا مَهْوًى بَعِيدًا. (وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ. (أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ) الْجَوْهَرِيُّ الْمِسْحُ بِالْكَسْرِ الْبِلَاسُ. (فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي سَاخِطَةً) أَيْ: كَارِهَةً غَيْرَ رَاضِيَةٍ عَنِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا. (مَسْخُوطًا) أَيْ: مَغْضُوبًا. (عَلَيْكِ) أَيْ: أَزَلًا وَأَبَدًا. (إِلَى عَذَابِ اللَّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِـ اخْرُجِي. (عَزَّ) أَيْ: غَلَبَ كَلِمُهُ وَأَمْرُهُ. (وَجَلَّ) أَيْ: قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ. (فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ حَتَّى يَأْتُونَ) بِإِثْبَاتِ النُّونِ وَرَفْعِهِ عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ عَلَى حَدِّ: (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ) فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ بِالرَّفْعِ أَيْ: حَتَّى أَتَوْا يَعْنِي بِهِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (بَابَ الْأَرْضِ) وَفِي نُسْخَةٍ: إِلَى بَابِ الْأَرْضِ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى بَابِ الْأَرْضِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: بَابَ سَمَاءِ الْأَرْضِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، ثُمَّ عُرِجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَابِ بَابُ الْأَرْضِ فَيُرَدُّ إِلَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ، قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِمَا سَيَأْتِي صَرِيحًا فِي هَذَا الْبَابِ. (فَيَقُولُونَ) أَيْ: مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ. (مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ حَتَّى!) وَفِي رِوَايَةٍ: كُلَّمَا أَتَوْا عَلَى أَرْضٍ قَالُوا ذَلِكَ ; فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ حَتَّى غَايَةً لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَوْ لِسَيْرِهِمُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ فَفِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ. (يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ) وَمَحَلُّهَا سِجِّينٌ، وَهُوَ مَوْضِعُ جَهَنَّمَ. (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ) قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِنَحْوِهِ. وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: وَالْحَاكِمُ والْبَيْهَقِيُّ اهـ. وَالرِّوَايَاتُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ لَفْظُ الْحَاكِمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute