للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٣٠ - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ. قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنَ السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ يَقُولُونَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ ; فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. يَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ يَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ. فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ وَيَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ: رَبِّ، أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي. قَالَ: وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ. قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا وَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدْعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَتَخْرُجَ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟ يَقُولُونَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: ٤٠] فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ، فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: ٣١] فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ يَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيَقُولَانِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَتِحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ حَرُّهَا وَسَمُومُهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ، فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ» . وَفِي رِوَايَةٍ نَحْوُهُ، وَزَادَ: «إِذَا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ يُعْرَجَ بِرُوحِهِ مِنْ قِبَلِهِمْ، وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ يَعْنِي الْكَافِرَ مَعَ الْعُرُوقِ فَيَلْعَنُهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَابٍ إِلَّا وَهُمْ يَدْعُونَ اللَّهَ أَنْ لَا يُعْرِجَ رُوحَهُ مِنْ قِبَلِهِمْ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ.

ــ

١٦٣٠ - (وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنَازَةِ رَجُلٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتُكْسَرُ. (مِنَ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا) أَيْ: وَصَلْنَا. (إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ قَبْلَ أَنْ يُلْحَدَ، وَلَمَّا بِمَعْنَى لَمْ، وَفِيهِ تَوَقُّعٌ. (فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَفِي رِوَايَةٍ وَكَأَنَّ. (عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ) قَالَ الطِّيبِيُّ: كِنَايَةٌ عَنْ إِطْرَاقِهِمْ رُءُوسَهُمْ، وَسُكُوتِهِمْ، وَعَدَمِ الْتِفَاتِهِمْ يَمِينًا وَشِمَالًا. قَالَ مِيرَكُ: وَالطَّيْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَأَنَّ أَيْ عَلَى رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ الطَّيْرُ يُرِيدُ صَيْدَهُ فَلَا يَتَحَرَّكُ، وَهَذِهِ كَانَتْ صِفَةَ مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ يَسْكُتُونَ فَلَا يَتَكَلَّمُونَ وَالطَّيْرُ لَا يَسْقُطُ إِلَّا عَلَى سَاكِنٍ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: قَوْلُهُمْ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ إِذَا سَكَنُوا مِنْ هَيْبَتِهِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْغُرَابَ إِذَا وَقَعَ عَلَى رَأْسِ الْبَعِيرِ فَيَلْتَقِطُ مِنْهُ الْحَمْلَةَ وَالْحَمْلَتَيْنِ، فَلَا يُحَرِّكُ الْبَعِيرُ رَأْسَهُ لِئَلَّا يَنْفُرَ عَنْهُ الْغُرَابُ. (وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ) بِضَمِّ الْكَافِ. (بِهِ فِي الْأَرْضِ) أَيْ: يُؤَثِّرُ بِطَرَفِ الْعُودِ الْأَرْضَ فِعْلَ الْمُتَفَكِّرِ الْمَهْمُومِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. (فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ مَرَّتَيْنِ) ظَرْفٌ لِقَالَ. (أَوْ ثَلَاثًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. (ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ) أَيْ: إِدْبَارٍ. (مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ) أَيِ: اتِّصَالٍ بِهَا. (نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ) إِظْهَارًا لِلِّطُفِ وَالْعِنَايَةِ، أَوِ انْعِكَاسًا مِنْ أَنْوَارِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ) أَيْ: وَجْهَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَالشَّمْسِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَخْبَرَ بِهَا عَنِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ فِي الْأَصْلِ فَقَوْلٌ مَنْطِقِيٌّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ. (مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ) أَيْ: مِنْ حَرِيرِهَا. (وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ) أَيْ: مِسْكِهَا وَعَنْبَرِهَا وَعَبِيرِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْحَنُوطُ مَا يُخْلَطُ مِنَ الطِّيبِ لِأَكْفَانِ الْمَوْتَى وَأَجْسَادِهِمْ. (حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ) أَيْ: قَرِيبًا مِنْهُ مَعَ كَمَالِ الْأَدَبِ، يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الرُّوحِ مِنْهُ. (ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ. (حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: لَا يُنَافِي ظَاهِرُهُ مَا مَرَّ أَنَّ الْقَائِلَ غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنَّهُ وَمَلَائِكَةٌ أُخَرُ بِهَا يَقُولُونَ ذَلِكَ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ مَا مَرَّ أَنَّ الْقَائِلَ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا مَرَّ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُونَ وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَائِلَ رَئِيسُهُمْ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ سَابِقًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ لَاحِقًا. ( «أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ» ) وَفِي رِوَايَةٍ. (الْمُطْمَئِنَّةُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، أَيْ: لَيْسَ أَمَامَكِ إِلَّا الْمَغْفِرَةُ وَالرِّضْوَانُ وَفِيهِمَا إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةِ دَفْعِ الْعَذَابِ، وَكَمَالِ الثَّوَابِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ إِلَى مَحَلِّهِمَا وَهُوَ الْجَنَّةُ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَتَخْرُجُ) أَيْ: رُوحُهُ. (تَسِيلُ) حَالٌ. (كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ) أَيْ: كَسَيَلَانِ الْقَطْرَةِ فِي السُّهُولَةِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَنِ الرُّوحِ أَنَّهَا جِسْمٌ لَطِيفٌ سَارَ فِي الْبَدَنِ كَسَرَيَانِ مَاءِ الْوَرْدِ فِي الْوَرْدِ. (مِنَ السِّقَاءِ) أَيِ: الْقِرْبَةِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ وَإِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ غَيْرَ ذَلِكَ أَيْ: مِنَ الشَّدَّةِ، وَالْحَاصِلُ أَنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ اضْطِرَابِ الْجَسَدِ وَسَهُولَةِ خُرُوجِ الرُّوحِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الْأَوَّلُ سَبَبًا لِلثَّانِي كَمَا أَنَّ رِيَاضَةَ النَّفْسِ، وَتَضْعِيفَ الْبَدَنِ عِنْدَ السَّادَةِ الصَّفِيَّةِ الصُّوفِيَّةِ مُوجِبٌ لِقُوَّةِ الرُّوحِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْمَعْرِفَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ النَّزْعِ دُونَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا قَبْلَ خُرُوجِ الرُّوحِ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ ; لِأَنَّ حَالَةَ النَّزْعِ هُوَ وَقْتُ خُرُوجِ الرُّوحِ، فَبَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ. (فَيَأْخُذُهَا) أَيْ: مَلَكُ الْمَوْتِ. (فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ: لَمْ يَتْرُكُوهَا. (فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ) أَدَبًا مَعَهُ أَوِ اشْتِيَاقًا إِلَيْهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ إِذَا قَبَضَ رُوحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>