(وَمِنْهَا أُخْرِجْهُمْ) أَيْ: كُمَّلًا. (تَارَّةً) أَيْ مَرَّةً. (أُخْرَى قَالَ:) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ إِعَادَةَ قَالَ لِطُولِ الْكَلَامِ أَوْ لِفَصْلِهِ بِكَلَامِ غَيْرِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيمَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْمَوَاضِعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. (فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ) ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ عَوْدَ الرُّوحِ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ بَدَنِهِ، فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى قَوْلِ الْبَعْضِ بِأَنَّ الْعَوْدَ إِنَّمَا يَكُونُ إِلَى الْبَعْضِ، وَلَا إِلَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ إِلَى نِصْفِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِ الْعَقْلِ بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى صِحَّةِ النَّقْلِ. (يَأْتِيهِ مَلَكَانِ) أَيِ: الْمُنْكَرُ وَالنَّكِيرُ لَكِنْ فِي صُورَةِ مُبَشِّرٍ وَبَشِيرٍ. (فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولُونَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينَيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ) ؟ أَيْ: أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، يَعْنُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي الْعِبَارَةِ فِتْنَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَامْتِحَانٌ لِلْمُوقِنِ حَيْثُ أَتَيَا بِصِيغَةِ الْجَهَالَةِ، وَلَمْ يُذَكِّرَاهُ بِصِفَةِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، وَلَعَلَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ إِذْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمَا قَالَا لَهُ: وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ (فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ: مُحَمَّدٌ نَبِيٌّ. (فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟) أَيْ: بِمَا قُلْتَ: أَوْ مَا سَبَبُ عِلْمِكَ بِرِسَالَتِهِ، أَوْ مَا سَبَبُ إِقْرَارِكَ، أَمُجَرَّدُ التَّقْلِيدِ فِي التَّصْدِيقِ، أَوِ الْبُرْهَانُ وَالتَّحْقِيقُ؟ (فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ) أَيْ: بِالْكِتَابِ، أَوْ بِالرَّسُولِ، أَوْ بِمَا فِيهِ، وَعَلِمْتُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَعَانِيهِ (وَصَدَّقْتُ) أَيْ: تَصْدِيقًا قَلْبِيًّا، وَمَا اكْتَفَيْتُ بِالْإِيمَانِ اللِّسَانِيِّ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجْرٍ أَوْ تَأْكِيدٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ عِنْدَ أَرْبَابِ التَّأْيِيدِ. (فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ) أَيْ: عَلَى لِسَانِ الْحَقِّ (أَنْ صَدَقَ عَبْدِي) أَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ ; لِأَنَّ فِي النِّدَاءِ مَعْنَى الْقَوْلِ، وَجَعْلُهَا مَصْدَرِيَّةً يُخِلُّ بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِأَنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ بِصِدْقِ عَبْدِي. (فَأَفْرِشُوهُ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ أَيْ: أَعْطُوهُ فِرَاشًا أَوْ أَفْرِشُوا لَهُ فِرَاشًا، فَالْهَمْزَةُ لِتَأْكِيدِ التَّعْدِيَةِ، فَفِي الْقَامُوسِ أَفْرَشَ فُلَانًا بِسَاطًا بَسَطَهُ لَهُ كَفَرَشَهُ فَرْشًا، وَفَرَّشَهُ تَفْرِيشًا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ: أَفْرِشُوا قَبْرَهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِمَا فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا فَرَشَهُ فَرْشًا وَفِرَاشًا أَيْ: بَسَطَهُ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَفْرُوشَ لَا يَكُونُ إِلَّا الْبِسَاطَ، وَالْقَبْرُ لَيْسَ إِلَّا مَفْرُوشًا فِيهِ، وَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي لِسَانِ أَهْلِ الزَّمَانِ مِنَ الْعَرَبِ أَفْرَشَوا الْبَيْتَ فَاتِّسَاعٌ فِي الْكَلَامِ، وَقَوْلُهُمُ الْمَيِّتُ مَفْرُوشٌ أَيْ: مَفْرُوشٌ فِيهِ. (مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ: مِنْ فُرُشِهَا. (وَأَلْبِسُوهُ) بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ أَيِ: (اكْسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ: مِنْ ثِيَابِهَا. (وَافْتَحُوا لَهُ) أَيْ: لِأَجْلِهِ. (بَابًا) أَيْ: مِنَ الْقَبْرِ. (إِلَى الْجَنَّةِ) أَيْ: جِهَتِهَا، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي أَصْلِ ابْنِ حَجَرٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَمِنْ سَهْوِ الْقَلَمِ. (قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: نَسِيمِهَا. (وَطِيبِهَا) أَيْ: رَائِحَتِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: رَوْحُهَا مَرَّ بَيَانُهُ فَمُوهِمٌ جَوَازَ ضَمِّ الرَّاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: (وَطِيبِهَا) تَأْكِيدٌ، فَغَفْلَةٌ عَنِ التَّحْقِيقِ الثَّابِتِ بِالتَّأْيِيدِ. (فَيُفْسَحُ) بِالتَّخْفِيفِ وَتُشَدَّدُ أَيْ: يُوَسَّعُ (لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ) وَهُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْبَصَرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى اخْتِلَافِ الْبَصِيرَةِ. (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَيَأْتِيهِ) أَيِ: الْمُؤْمِنَ. (رَجُلٌ) أَيْ: شَيْءٌ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ. (حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ) كِنَايَةٌ عَنْ حُسْنِ عَمَلِهِ وَخُلُقِهِ، (فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ) أَيْ: بِمَا يَجْعَلُكَ مَسْرُورًا، يَعْنِي بِمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ بِبَالِ بَشَرٍ، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: ٢٠] وَأَمَّا تَقْدِيرُ ابْنِ حَجَرٍ أَيْ: يَسُرُّكَ رَبُّكَ فَغَفْلَةٌ عَنْ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى تَقْدِيرِ " بِهِ " أَيْضًا، وَإِذَا صَحَّ الْكَلَامُ بِلَا تَقْدِيرٍ فَلَا يُقَدَّرُ، وَالنِّسْبَةُ الْمَجَازِيَّةُ غَيْرُ عَزِيزَةٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ.} [البقرة: ٦٩] (هَذَا) أَيُ: الْوَقْتُ. (يَوْمُكَ) أَيْ: زَمَانُكَ الْمَحْمُودُ. (الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ) أَيْ: بِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ تَعَالَى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: ٥٢] . (فَيَقُولُ) أَيِ: الْمُؤْمِنُ. (لَهُ مَنْ أَنْتَ) حَيْثُ أَنَّسْتَ الْغَرِيبَ، وَبَشَّرْتَ بِالْخَيْرِ الْعَجِيبِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَمَّا سَرَّهُ بِالْبِشَارَةِ قَالَ لَهُ: إِنِّي لَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ حَتَّى أُجَازِيَكَ بِالثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ: مَنْ أَنْتَ؟ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الْمَدْحِ مُجْمَلًا وَفِيهِ نَظَرٌ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute