وَقَرِينَةُ الْحَالَةِ ثُمَّ قَالَ: وَالْفَاءُ فِي. (فَوَجْهُكَ) لِتَعْقِيبِ الْبَيَانِ بِالْمُجْمَلِ عَلَى عَكْسِ قَوْلِ الشَّقِيِّ لِلْمَلَكِ: مَنْ أَنْتَ؟ (الْوَجْهُ) أَيْ: وَجْهُكَ هُوَ الْكَامِلُ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالنِّهَايَةِ فِي الْكَمَالِ، وَحَقٌّ لِمِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَجِيءَ بِالْخَيْرِ وَيُبَشِّرَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْبِشَارَةِ وَقَوْلُهُ: (يَجِيءُ بِالْخَيْرِ) جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَقِيلَ: الْمَوْصُولُ مُقَدَّرٌ أَيْ: وَجْهُكَ الَّذِي يَجِيءُ بِالْخَيْرِ. (فَيَقُولُ) أَيِ: الْمُصَوَّرَةُ بِصُورَةِ الرَّجُلِ. (أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ) . فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ، رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ التَّكْرَارُ لِلْإِلْحَاحِ فِي الدُّعَاءِ. (حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي) أَيْ: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَالْخَدَمِ. (وَمَالِي) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَوْصُولَةً أَيْ: مَالِي مِنَ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ وَغَيْرِهَا مِنْ حُسْنِ الْمَالِ، وَمِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ أَقَارِبُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبِمَالِي مَا يَشْمَلُ الْحُورَ وَالْقُصُورَ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يَعْنِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: لَعَلَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ إِحْيَائِهِ لِكَيْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَيَزِيدَ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَزِيدَ ثَوَابًا وَيُرْفَعَ فِي دَرَجَاتِهِ اهـ.
وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ أَنَّ حَمْلَ السَّاعَةِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَامَةِ فِي غَايَةٍ مِنَ الْغَرَابَةِ. وَقَالَ مِيرَكُ: الْأَصْوَبُ أَنْ يُقَالَ: طَلَبَ إِقَامَةَ الْقِيَامَةِ لِكَيْ يَصِلَ إِلَى مَا أُعِدَّ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِرِ حِكَايَةً عَنْهُ رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ لِكَيْ يَهْرَبَ بِهِ عَمَّا يُعَدُّ لَهُ مِنَ الْعِقَابِ. (قَالَ) يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا، وَفِي الرِّوَايَاتِ جَمِيعِهَا ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْقِصَّةِ الثَّانِيَةِ. (وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ) أَيْ: مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ. (سُودُ الْوُجُوهِ) إِظْهَارًا لِلْغَضَبِ بِمَا يُنَاسِبُ عِلْمَهُ، أَوِ انْعِكَاسًا مِنْ قِبَلِهِ. (مَعَهُمُ الْمُسُوحُ) جَمْعُ الْمِسْحِ بِالْكَسْرِ، وَهُوَ اللِّبَاسُ الْخَشِنُ. (فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ انْتِظَارًا لِخُرُوجِ رُوحِهِ. (ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ) أَيْ: خَبِيثَةُ الْخِصَالِ غَيْرُ مَرَضِيَّةِ الْأَعْمَالِ. (اخْرُجِي فِي سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ) أَيْ: إِلَى آثَارِ غَضَبِ اللَّهِ مِنْ أَنْوَاعِ عِقَابِهِ. (قَالَ) أَيِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (فَتَفَرَّقُ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّائَيْنِ أَيِ: الرُّوحُ. (فِي جَسَدِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: كَرَاهَةَ الْخُرُوجِ إِلَى مَا يُسَخِّنُ عَيْنَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، كَمَا أَنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ تَخْرُجُ وَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنَ السِّقَاءِ فَرَحًا إِلَى مَا تَمُرُّ بِهِ عَيْنُهُ مِنَ الْكَرَامَةِ اهـ. وَتَسْخِيرُ الْعَيْنِ كِنَايَةٌ عَنِ الْجَوْهَرِ كَمَا أَنَّ قُرَّةَ الْعَيْنِ عِبَارَةٌ عَنِ السُّرُورِ، وَلِذَا قَالُوا: دَمْعُ الْحُزْنِ وَدَمْعُ الْفَرَحِ بَارِدٌ. (فَيَنْتَزِعُهَا) أَيْ: مَلَكُ الْمَوْتِ يَسْتَخْرِجُ رُوحَهُ بِعُنْفٍ وَشَدَّةٍ وَمُعَالَجَةٍ. (كَمَا يُنْزَعُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةٍ كَمَا يُنْتَزَعُ. (السَّفُّودُ) كَتَنُّورٍ أَيِ: الشَّوْكُ أَوِ الْحَدِيدُ الَّتِي يُشْوَى بِهَا اللَّحْمُ. (مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ) قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ نَزْعَ رُوحِ الْكَافِرِ مِنْ أَقْصَى عُرُوقِهِ بِحَيْثُ يَصْحَبُهُ الْعُرُوقُ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ مَعَ الْعُرُوقِ نَزْعَ السَّفُّودِ وَهُوَ الْحَدِيدُ الَّتِي يُشْوَى بِهَا اللَّحْمُ فَيَبْقَى مَعَهَا بَقِيَّةٌ مِنَ الْمَحْرُوقِ، فَيَسْتَصْحِبُ عِنْدَ الْجَذْبِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الصُّوفِ مَعَ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَبِعَكْسِهِ شَبَّهَ خُرُوجَ رُوحِ الْمُؤْمِنِ مِنْ جَسَدِهِ بِتَرْشِيحِ الْمَاءِ وَسَيَلَانِهِ مِنَ الْقِرْبَةِ الْمَمْلُوءَةِ مَاءً مَعَ سُهُولَةٍ وَلُطْفٍ. (فَيَأْخُذُهَا) أَيْ: مَلَكُ الْمَوْتِ. (فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدْعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ) أَيْ: مُبَادَرَةً إِلَى الْأَمْرِ. (حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ وَيَخْرُجَ) بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ. (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ رُوحِ الْكَافِرِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ جَسَدِهِ. (كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَيَصْعَدُونَ بِهَا) افْتِضَاحًا لَهَا، وَإِظْهَارًا لِرَدَاءَتِهَا. (فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ) أَيْ: يَذْكُرُونَهُ بِأَشْنَعِ أَوْصَافِهِ. (الَّتِي كَانَ يُسَمَّى) وَفِي نُسْخَةٍ: كَانُوا أَيْ: أَهْلُ السَّمَاءِ يُسَمُّونَ أَيْ: يُسَمُّونَهُ، وَفِي نُسْخَةٍ السَّيِّدِ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَالضَّمِيرَانِ إِلَى الْكَافِرِ. (بِهَا) أَيْ: بِتِلْكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute