للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٠ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) : « (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: ٣٠] » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٩٠ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ) أَيْ: مِنَ الثَّقَلَيْنِ (إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ) قِيلَ: مَوْلُودٌ: مُبْتَدَأٌ، خَبَرُهُ: يُولَدُ أَيْ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُوجَدُ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، وَالْفِطْرَةُ: تَدُلُّ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الِابْتِدَاءِ وَالِاخْتِرَاعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْفِطْرَةِ كَالْجِلْسَةِ، وَاللَّامُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْهُودٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (فِطْرَةَ اللَّهِ) وَهِيَ الْإِيمَانُ إِذِ الْمُرَادُ بِأَقِمْ وَجْهَك لِلدِّينِ حَنِيفًا اثْبُتْ عَلَى إِيمَانِكَ الْقَدِيمِ الْوَاقِعِ مِنْكَ فِي عَالَمِ الذَّرِّ (يَوْمَ) أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ: الْمِلَّةَ بَدَلَ الْفِطْرَةِ؛ لِأَنَّ مَاصَدَقَهُمَا وَاحِدٌ. قَالَ تَعَالَى: {دِينًا قَيِّمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [الأنعام: ١٦١] كَذَا ذَكَرَهُ ابنُ حَجَرٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِلَّةَ أَخَصُّ مِنَ الدِّينِ، وَلِذَا قِيلَ بِاتِّحَادِ دِينِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالتَّوْحِيدُ، وَاخْتِلَافُ مِلَلِهِمْ لِاخْتِلَافِ شَرَائِعِهِمْ، وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: ( «خَلَقْتُ عِبَادِيَ حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَأَنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَأَضَلَّتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ» ) ، وَالْمَعْنَى مَا أَحَدٌ يُوَلَدُ إِلَّا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ تَمَكُّنُ النَّاسِ مِنَ الْهُدَى فِي أَصْلِ الْجِبِلَّةِ، وَالتَّهَيُّؤُ لِقَبُولِ الدِّينِ، فَلَوْ تُرِكَ عَلَى تَمَكُّنِهِ، وَتَهَيُّؤِهِ الْمَذْكُورَيْنِ لَاسْتَمَرَّ عَلَى الْهُدَى وَالدِّينِ، وَلَمْ يُفَارِقْهُ إِلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ حُسْنَهُ رَكَزَ فِي النُّفُوسِ فَلَمْ يَقَعْ لَهَا عُدُولٌ عَنْهُ إِلَّا لِآفَةٍ بَشَرِيَّةٍ، أَوْ تَقْلِيدٍ لِلْغَيْرِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: ١٦] فَجَعَلَ الْهُدَى رَأْسَ الْمَالِ الْحَاصِلَ عِنْدَهُمْ، ثُمَّ عَرَّضُوهُ لِلزَّوَالِ بِبَذْلِهِ فِي أَخْذِهِمُ الضَّلَالَةَ الْبَعِيدَةَ عَنْهُمْ (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ: يُعْلِمَانِهِ الْيَهُودِيَّةَ، وَيَجْعَلَانِهِ يَهُودِيًّا (أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) : وَالْفَاءُ إِمَّا لِلتَّعْقِيبِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِمَّا لِلتَّسَبُّبِ أَيْ: إِذَا كَانَ كَذَا فَمَنْ تَغَيَّرَ كَانَ بِسَبَبِ أَبَوَيْهِ غَالِبًا (كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ) : صِفَةُ الْمَصْدَرِ مَحْذُوفٌ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ: يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وِلَادَةً مِثْلَ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ، أَوْ يُغَيِّرَانِهِ تَغْيِيرًا كَتَغْيِيرِهِمُ الْبَهِيمَةَ، وَقِيلَ: حَالٌ أَيْ: مُشَبَّهًا شَبَّهَ وِلَادَتَهُ عَلَى الْفِطْرَةِ بِوِلَادَةِ الْبَهِيمَةِ السَّلِيمَةِ غَيْرَ أَنَّ السَّلَامَةَ حِسِّيَّةٌ، وَمَعْنَوِيَّةٌ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ أَيْ: يُهَوِّدَانِهِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ تَنَازَعَتْ فِي كَمَا تُنْتَجُ الْمُفِيدُ لِتَشْبِيهِ ذَلِكَ الْمَعْقُولِ بِهَذَا الْمَحْسُوسِ الْمُعَايَنِ لِيَتَّضِحَ بِهِ أَنَّ ظُهُورَهُ بَلَغَ فِي الْكَشْفِ، وَالْبَيَانِ مَبْلَغَ هَذَا الْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ فِي الْعَيَانِ، وَهُوَ يُرْوَى عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَعَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ يُقَالُ: نَتَجَ النَّاقَةَ يُنْتِجُهَا إِذَا تَوَلَّى نِتَاجَهَا حَتَّى وَضَعَتْ، فَهُوَ نَاتِجٌ، وَهُوَ لِلْبَهَائِمِ كَالْقَابِلَةِ لِلنِّسَاءِ، وَالْأَصْلُ نَتَجَهَا أَهْلُهَا وَلَدًا، وَلِذَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ فَإِذَا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ قِيلَ نَتَجَتْ وَلَدًا إِذَا وَضَعَتْ، وَإِذَا وَضَعَتْ لِلثَّانِي قِيلَ: نَتَجَ الْوَلَدُ إِذَا وَضَعَتْهُ (بَهِيمَةً) ، وَقِيلَ: مُصَغَّرَةً، وَنَصْبُهَا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِتُنْتَجُ، وَالْأَوَّلُ أُقِيمَ مَقَامَ فَاعِلِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ تُنْتَجُ مَجْهُولًا أَيْ: وُلِدَتْ فِي حَالِ كَوْنِهَا بَهِيمَةً، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا مَنْ نَتَجَ إِذَا وُلِدَ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: تُنْتَجُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لَا غَيْرُ. (جَمْعَاءَ) أَيْ: سَلِيمَةَ الْأَعْضَاءِ كَامِلَتِهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ سَلَامَةِ أَعْضَائِهَا مِنْ نَحْوِ جَدْعٍ، وَكَيٍّ (هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا) ، أَيْ: فِي الْبَهِيمَةِ الْجَمْعَاءِ، وَالْمُرَادُ بِمَا الْجِنْسُ، وَتُحِسُّونَ بِضَمِّ التَّاءِ، وَكَسْرِ الْحَاءِ، وَقِيلَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>