١٦٥٨ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلًا فَقَالَ: مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا: الْبَارِحَةَ. قَالَ: أَفَلَا آذَنْتُمُونِي؟ قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
١٦٥٨ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلًا) أَيْ: فِي لَيْلٍ مِنَ اللَّيَالِي. (فَقَالَ: مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا: الْبَارِحَةَ) . أَيِ: اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ. (قَالَ: أَفَلَا آذَنْتُمُونِي؟ !) بِالْمَدِّ أَيْ: أَدَفَنْتُمُوهُ فَلَا أَعْلَمْتُمُونِي؟ (قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا) وَفِي نُسْخَةٍ: وَكَرِهْنَا. (أَنْ نُوقِظَكَ) أَيْ: نُنَبِّهَكَ مِنَ النَّوْمِ. (فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ) قَالَ الْمُظْهِرُ: فِيهِ مَسَائِلُ جَوَازِ الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ، أَيْ: بِتَقْرِيرِهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ، وَاسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الْمَيِّتِ بِالْجَمَاعَةِ اهـ.
وَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُتَطَرِّفَتَيْنِ إِلَّا مَا شَذَّ بِهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَتَبِعَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَا صَحَّ أَيْضًا: «أَنَّ نَاسًا رَأَوْا فِي الْمَقْبَرَةِ نَارًا، فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ، وَإِذَا هُوَ يَقُولُ: نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ، فَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ» ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ: زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضْطَرَّ إِنْسَانٌ إِلَى ذَلِكَ، فَالنَّهْيُ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ دَفْنِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَكْرَارِ الصَّلَاةِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنَ الصَّفِّ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ وَصَفَّهُمْ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا» . قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَلِيَّ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا، وَلَا مُخَلِّصَ إِلَّا بِادِّعَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهَا أَصْلًا، وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ مِنَ الصَّحَابَةِ اهـ.
وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَقَعَتْ صَلَاةُ غَيْرِهِ تَبَعًا لَهُ، أَوْ مِمَّنْ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ، ثُمَّ رَأَيْتُ السُّيُوطِيَّ ذَكَرَ فِي أُنْمُوذَجِ اللَّبِيبِ: أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ فِي عَهْدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْجَنَازَةِ إِلَّا بِصَلَاتِهِ، فَيُؤَوَّلُ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجَنَازَةِ فِي حَقِّهِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْهِدَايَةِ، وَبِهِ يَظْهَرُ وَجْهُ مَا فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ: «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ مِسْكِينَةٍ غَيْرَ لَيْلَةِ دَفْنِهَا» ، وَفِي مُرْسَلٍ صَحِيحٍ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُرْسَلُهُ فِي حُكْمِ الْمَوْصُولِ حَتَّى عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بَعْدَ شَهْرٍ ; لِأَنَّهُ كَانَ غَائِبًا حِينَ مَوْتِهَا» . (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ مِيرَكُ: وَاسْمُ صَاحِبِ الْقَبْرِ فِيهِ طَلْحَةُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعُلْوِيُّ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، رَوَى حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا، وَالطَّبَرَانِيُّ مُطَوَّلًا، وَفِي رِوَايَتِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: «فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ فَصَفَّ النَّاسَ مَعَهُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ الْقَ طَلْحَةَ يَضْحَكُ إِلَيْكَ وَتَضْحَكُ إِلَيْهِ» ، وَالضَّحِكُ كِنَايَةٌ عَنِ الرِّضَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute