قُدِّمَ الْخَبَرُ لِأَنَّ الْغَرَضَ بَيَانُ الْمَقَادِيرِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وُجُوبِ النِّصَابِ، فَحَسُنَ التَّقْدِيمُ، كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ (فَإِذَا بَلَغَتْ) أَيِ الْإِبِلُ أَوِ الْأَرْبَعُ وَالْعِشْرُونَ (خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ) قِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمَّتْ لَهَا سَنَةٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ حَامِلًا، وَالْمَخَاضُ الْحَوَامِلُ مِنَ النُّوقِ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا، بَلْ وَاحِدَتُهَا خِلْفَةٌ، وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إِلَى الْمَخَاضِ، وَالْوَاحِدَةُ لَا تَكُونُ بِنْتَ نُوقٍ لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ فِي نُوقٍ حَوَامِلَ تُجَاوِرُهُنَّ تَضَعُ حَمْلَهَا مَعَهُنَّ، كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ مِنْ أَنَّ أُمَّهَا صَارَتْ مَخَاضًا أَيْ حَامِلًا بِأُخْرَى فَلَيْسَ بِسَدِيدٍ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَخَاضُ وَجَعُ الْوِلَادَةِ، فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: ذَاتُ مَخَاضٍ، وَإِنَّمَا قَالَ (أُنْثَى) تَوْكِيدًا كَمَا قَالَ - تَعَالَى - {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} [الحاقة: ١٣] وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْبِنْتَ هَاهُنَا، وَالِابْنَ فِي ابْنِ لَبُونٍ كَالْبِنْتِ وَالِابْنِ فِي بِنْتِ طَبَقٍ، وَابْنِ آوَى يَشْتَرِكُ فِيهِمَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ وَصْفَ الْبِنْتِ بِالْأُنْثَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْجِنْسُ الشَّامِلُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، كَالْوَلَدِ إِذْ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَدْ يُطْلَقُ الْبِنْتُ وَالِابْنُ وَيُرَادُ بِهِمَا الْجِنْسُ، كَمَا فِي ابْنِ عِرْسٍ وَبِنْتِ طَبَقٍ، وَهِيَ سُلْحِفَاةٌ تَبِيضُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ بَيْضَةً، عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، ثُمَّ هَذَا الْحُكْمُ مِمَّا أُجْمِعَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ فِيهَا خَمْسَ شِيَاهٍ، وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَصِحَّ كَالْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِي ذَلِكَ (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى) وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ ذَاتَ لَبَنٍ تُرْضِعُ بِهِ أُخْرَى غَالِبًا (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، أَيْ مَا لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ (طَرُوقَةُ الْجَمَلِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَيْ مَرْكُوبَةٍ لِلْفَحْلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَحْلَ يَعْلُو مِثْلَهَا فِي سِنِّهَا، وَفِي النِّهَايَةِ: هِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَتَحْمِلَ، وَيَطْرَقَهَا الْجَمَلُ، قِيلَ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ (فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، مَا لَهَا أَرْبَعُ سِنِينَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا وَالْجَذَعُ السُّقُوطُ، وَقِيلَ: لِتَكَامُلِ أَسْنَانِهَا، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُقَالُ لِلْإِبِلِ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ أَجْذَعُ وَجَذَعٌ اسْمٌ لَهُ فِي زَمَنٍ لَيْسَ سِنٌّ يَنْبُتُ، وَلَا يَسْقُطُ، وَالْأُنْثَى جَذَعَةٌ (فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهِ بِنْتَا لَبُونٍ) فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ لَا شَيْءَ فِي الْأَوْقَاصِ (فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ) قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ: تَقْدِيرُ النِّصَابِ وَالْوَاجِبِ أَمْرٌ تَوْفِيقِيٌّ ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِبِلِ هُوَ الْإِنَاثُ أَوْ قِيمَتُهَا، بِخِلَافِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِيهِمَا الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ) قَالَ الْقَاضِي: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْحِسَابِ بَعْدَ مَا جَاوَزَ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ، يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا زَادَ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لَمْ تُسْتَأْنَفِ الْفَرِيضَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: تُسْتَأْنَفُ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ خَمْسٌ لَزِمَ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ، وَهَكَذَا إِلَى بِنْتِ مَخَاضٍ، وَبِنْتِ لَبُونٍ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ، فَإِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى عَشْرٍ وَمِائَةٍ تُرَدُّ الْفَرَائِضُ إِلَى أَوَّلِهَا، وَبِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ كِتَابًا لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصَّدَقَاتِ وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِهَا، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْإِبِلَ إِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ اسْتُؤْنِفَتِ الْفَرِيضَةُ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ كُتُبَ الصَّدَقَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا كِتَابُ الصِّدِّيقِ، وَمِنْهَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَمِنْهَا كِتَابُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الدِّيَاتِ، وَأَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِلِيهِ، وَقَدْ بَسَطَ ابْنُ الْهُمَامِ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَامِ فَرَاجِعْهُ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ تَمَامَ الْمَرَامِ.
ثُمَّ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ الشَّاةِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، ذَكَرَهَا فِي الْغَايَةِ. اهـ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ لَا تُقَاوِمُ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّا نَقُولُ: الْحَدِيثُ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute