للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨١٨ - وَعَنْهُ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَ الصِّيَامِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.

ــ

١٨١٨ - (وَعَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَ الصِّيَامِ) أَيْ: تَطْهِيرَ الصَّوْمِ وَقِيلَ: الصِّيَامُ جَمْعُ صَائِمٍ كَالْقِيَامِ جَمْعُ قَائِمٍ، وَفِي الْمَصَابِيحِ طُهْرَةَ الصَّائِمِ؛ أَيْ: تَطْهِيرًا لِذُنُوبِهِ (مِنَ اللَّغْوِ) وَهُوَ مَا لَا يُعْنَى، وَقِيلَ: الْبَاطِلُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الْقَبِيحُ (وَالرَّفَثُ) أَيِ الْفُحْشُ مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ فِي الْأَصْلِ مَا يَجْرِي مِنَ الْكَلَامِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَحْتَ اللِّحَافِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ كَلَامٍ قَبِيحٍ اهـ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ عَلَى الْقَبِيحِ الْفِعْلِيِّ أَوِ الْعَطْفُ تَفْسِيرِيٌّ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَهَذَا لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْفِطْرَةَ عَلَى الْأَطْفَالِ لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَلْزَمْهُمُ الصِّيَامُ لَمْ يَلْزَمْ طُهْرَتُهُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى إِيجَابِهِمْ عَلَيْهِمْ، وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ عِلَّةَ الْإِيجَابِ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الطُّهْرَةِ وَالطُّعْمَةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَسَاكِينِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ مَعَ هَذَا أَيْضًا إِلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِهَا أَنْ يَمْلِكَ مَا يَفْضُلُ عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِاسْتِوَاءِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي كَوْنِهَا طُهْرَةً. أَقُولُ: كَمَا أَنَّهُ شَرَطَ مَا ذُكِرَ شَرَطْنَا النِّصَابَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مَا أَمْكَنَ، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْفُقَرَاءِ فَكَانَتْ أَعْمَالُهُمْ مُطَهَّرَةً وَذُنُوبُهُمْ مَغْفُورَةً مِنْ غَيْرِ صَدَقَةٍ، وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ أَكْثَرَ وُقُوعِ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ (وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) أَيْ لِيَكُونَ قُوتُهُمْ يَوْمَ الْعِيدِ مُهَيِّئًا تَسْوِيَةً بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ فِي وِجْدَانِ الْقُوتِ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الطُّهْرَةَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الصَّائِمِينَ، وَالطُّعْمَةَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّقْسِيمِ سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْرِيفِ الْمِسْكِينِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) قَالَ مِيرَكُ: وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ يَعْنِي: فَسَنَدُهُ حَسَنٌ، بَلْ قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ رُكْنَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ هُوَ نَفْسُ الْأَدَاءِ إِلَى الْمَصْرِفِ، وَسَبَبُ شَرْعِيَّتِهَا مَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبُو دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ أَوِ الرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» . وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ مَجْرُوحٌ اهـ. وَفِي خَبَرٍ حَسَنٍ غَرِيبٍ: «شَهْرُ رَمَضَانَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُرْفَعُ إِلَّا بِزَكَاةِ الْفِطْرِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>