وَالْعَجَبُ مِنَ ابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ: وَمَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَ الضِّيَافَةِ عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» ". أَيْ: فَلْيَدْعُ لَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْتِدَاءٍ ثَبَتَ، ثُمَّ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ، يَعْنِي حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ: «آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبَى الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ، فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الْآنَ. قَالَ: فَصَلَّيْنَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنْ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: (صَدَقَ سَلْمَانُ) » .
وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ، وَكَذَا مَا أَسْنَدَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِلَى جَابِرٍ قَالَ: «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا، فَدَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (مَا لَكَ؟) قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (تَكَلَّفَ أَخُوكَ وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ، كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) » اهـ.
قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ: ( «أَخُوكَ تَكَلَّفَ وَصَنَعَ لَكَ طَعَامًا وَدَعَاكَ، أَفْطِرْ وَاقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ» ) وَرَوَاهُ الدَّرَاقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي صَنَعَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute