للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَبَطْنُهُ التَّدَبُّرَ لَهُ، وَقِيلَ: ظَهْرُهُ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُكَلَّفُونَ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَمُوجِبِهِ، وَبَطْنُهُ مَا وَقَعَ فِيهِ التَّفَاوُتُ فِي فَهْمِهِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَإِنَّمَا أَرْدَفَ قَوْلَهُ يُحَاجُّ الْعِبَادَ بِقَوْلِهِ لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُطَالِبُ بِقَدْرِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ وَفَهْمِهِ، وَالْجُمْلَةُ خَالِيَةٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُحَاجُّ، أَيْ فَمَنِ اتَّبَعَ ظَوَاهِرَهُ وَبَوَاطِنَهُ فَقَدْ أَدَّى بَعْضَ حُقُوقِ الرُّبُوبِيَّةِ وَقَامَ بِأَفْضَلِ وَظَائِفِهِ الْعُبُودِيَّةِ (وَالْأَمَانَةُ) وَهِيَ كُلُّ حَقٍّ لِلَّهِ أَوِ الْخَلْقِ لَزِمَ أَدَاؤُهُ وَفُسِّرَتْ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} [الأحزاب: ٧٢] بِأَنَّهَا الْوَاجِبُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ (وَالرَّحِمُ) اسْتُعِيرَتْ لِلْقَرَابَةِ بَيْنَ النَّاسِ (تُنَادِي) بِالتَّأْنِيثِ، أَيْ قَرَابَةُ الرَّحِمِ أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَمَانَةِ وَالرَّحِمِ، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنَ الثَّلَاثَةِ (أَلَا) حَرْفُ تَنْبِيهٍ (مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ) ، أَيْ بِالرَّحْمَةِ (وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ) ، أَيْ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ إِخْبَارًا وَدُعَاءً، قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، أَيْ هِيَ بِمَنْزِلَةٍ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَضِيعُ أَجْرَ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُهْمِلُ مُجَازَاةَ مَنْ ضَيَّعَهَا وَأَعْرَضَ عَنْهَا، كَمَا هُوَ حَالُ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَ السَّلَاطِينَ الْوَاقِفِينَ تَحْتَ عَرْشِهِ فَإِنَّ التَّوَصُّلَ إِلَيْهِمْ وَالْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ وَشُكْرَهُمْ وَشِكَايَتَهُمْ تَكُونُ مُؤَثِّرَةً تَأْثِيرًا عَظِيمًا، وَإِنَّمَا خَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَا يُحَاوِلُهُ الْإِنْسَانُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَائِرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَامَّةِ النَّاسِ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَقَارِبِهِ وَأَهْلِهِ، فَالْقُرْآنُ وَصْلَةٌ إِلَى أَدَاءِ حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَمَانَةُ تَعُمُّ النَّاسَ فَإِنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ وَسَائِرَ حُقُوقِهِمْ أَمَانَاتٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَمَنْ قَامَ بِهَا فَقَدْ أَقَامَ الْعَدْلَ وَمَنْ وَاصَلَ الرَّحِمَ وَرَاعَى الْأَقَارِبَ بِدَفْعِ الْمَخَاوِفِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَقَدْ أَدَّى حَقَّهَا، وَقَدَّمَ الْقُرْآنَ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ أَعْظَمُ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْأَخِيرَيْنِ، وَعَقِبَهُ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ مِنَ الرَّحِمِ وَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى أَدَاءِ حَقِّ الرَّحِمِ، وَصَرَّحَ بِالرَّحِمِ مَعَ اشْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى مُحَافَظَتِهَا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا أَحَقُّ حُقُوقِ الْعِبَادِ بِالْحِفْظِ (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ: وَفَى إِسْنَادِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ وَاهٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>