مِنَ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا) أَيْ: أَنَا وَالْقُرَشِيُّونَ (الْمُصْحَفَ) أَيْ: الْمَصَاحِفُ (قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا، فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ) أَيْ: مَكْتُوبَةً لِمَا تَقَدَّمَ، قَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ أَبُو عِمَارَةَ الْأَوْسِيُّ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صِفِّينَ، فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ جَرَّدَ سَيْفَهُ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣] أَيْ: الْآيَةَ (فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ) فِيهِ إِشْكَالٌ: وَهُوَ أَنَّهُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ مَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمُصْحَفِ، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا، فَالصَّوَابُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُصْحَفِ الصُّحُفُ الْأُولَى الَّتِي كُتِبَتْ فِي الْجَمْعِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ بِالنُّونِ تَعْظِيمًا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) . قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - جَمَعُوا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ أَنْ زَادُوا أَوْ نَقَصُوا مِنْهُ شَيْئًا بِاتِّفَاقٍ مِنْ جَمِيعِهِمْ خَوْفَ ذَهَابِ بَعْضِهِ بِذَهَابِ حَفَظَتَهُ، وَكَتَبُوهُ كَمَا جَمَعُوهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُلَقِّنُ أَصْحَابَهُ وَيُعَلِّمُهُمْ مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي هُوَ الْآنَ فِي مَصَاحِفِنَا بِتَوْقِيفٍ مِنْ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِعْلَامِهِ عِنْدَ نُزُولِ كُلِّ آيَةٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُكْتَبُ عَقِبَ آيَةَ كَذَا فِي سُورَةِ كَذَا، رُوِيَ مَعْنَى هَذَا عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute