(الْمَاجِدُ) : مِنَ الْمَجْدِ وَهُوَ سِعَةُ الْكَرَمِ وَنِهَايَةُ الشَّرَفِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ بِمَعْنَى الْمَجِيدِ إِلَّا أَنَّ فِي الْمَجِيدِ مُبَالَغَةً لَيْسَتْ فِي هَذَا مِنَ الْمَجْدِ. اهـ. وَفِيهِ مِنَ الْإِيهَامِ مَا لِا يَخْفَى، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ صِفَاتِهِ فِي غَايَةٍ مِنَ الْكَمَالِ، سَوَاءٌ تَكُونُ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَجِيدٍ وَعَلِيمٍ أَوْ لَا، كَمَاجِدٍ وَعَالِمٍ. نَعَمْ مَا ذُكِرَ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَبْنَى لَا مِنْ حَيْثِيَّةِ أَصْلِ الْمَعْنَى، بَقِيَ أَنَّ ظَاهِرَهُ التَّكْرَارُ، وَالْمُحَقِّقُونَ لَا يَرْضَوْنَ بِذَلِكَ، وَالَّذِي خَطَرَ بِبَالِي أَنَّ نُكْتَةَ إِعَادَتِهِ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِلِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَلِذَا وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى جِبْرِيلَ مُتَشَبِّثًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ قَائِلًا: " يَا وَاجِدُ يَا مَاجِدُ لَا تُزِلْ عَنِّي نِعْمَةً أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ» ".
(الْوَاحِدُ) : وَفِي نُسْخَةٍ بِزِيَادَةِ الْأَحَدِ بَعْدَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ: لَفَظُ الْأَحَدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وَالدَّعَوَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ، وَلَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَمَعْنَى الْوَاحِدِ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي ذَاتِهِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي صِفَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي فِعَالِهِ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ: الْوَاحِدُ الْمُتَفَرِّدُ بِالذَّاتِ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْأَحَدُ الْمُتَفَرِّدُ بِالصِّفَاتِ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي صِفَاتِهِ، وَقِيلَ: الْوَحْدَةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا عَدَمُ التَّجْزِئَةِ وَالِانْقِسَامِ، وَيَكْثُرُ إِطْلَاقُ الْوَاحِدِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَقَدْ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ التَّعَدُّدِ وَالْكَثْرَةِ، وَيَكْثُرُ إِطْلَاقُ الْأَحَدِ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ فَيَتَطَرَّقُ إِلَى ذَاتِهِ التَّعَدُّدُ وَالِاشْتِرَاكُ أَحَدٌ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ التَّرْكِيبِ وَالْمَقَادِيرِ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ وَالِانْقِسَامَ وَاحِدٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: الْوَاحِدُ الْأَحَدُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَحْدَةِ، فَإِنَّ أَصْلَ أَحَدٍ وَاحِدٌ بِفَتْحَتَيْنِ فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ مِنْ وُجُوهٍ، الْأَوَّلُ: أَنَّ أَحَدًا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ، فَيُقَالُ: اللَّهُ أَحَدٌ، وَلَا يُقَالُ: زَيْدٌ أَحَدٌ، كَمَا يُقَالُ: زَيْدٌ وَاحِدٌ، وَكَأَنَّهُ بُنِيَ لِنَفْيِ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنَ الْعَدَدِ، وَالثَّانِي: أَنَّ نَفْيَهُ يَعُمُّ، وَنَفْيَ الْوَاحِدِ قَدْ لَا يَعُمُّ، وَلِذَا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِي الدَّارِ وَاحِدٌ بَلْ فِيهَا اثْنَانِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي أَحَدٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْوَاحِدَ يُفْتَحُ بِهِ الْعَدَدُ فَيُقَالُ: وَاحِدٌ اثْنَانِ الْخَ. وَلَا كَذَلِكَ أَحَدٌ، فَلَا يُقَالُ أَحَدٌ اثْنَيْنِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْوَاحِدَ يَلْحَقُهُ التَّاءُ بِخِلَافِ الْأَحَدِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا مِنْ وُجُوهٍ، الْأَوَّلُ: أَنَّ أَحَدًا مِنْ حَيْثُ الْبِنَاءُ أَبْلَغُ مِنْ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ مِنَ الصِّفَاتِ الْمُشَبَّهَةِ الَّتِي بُنِيَتْ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ. الثَّانِي: أَنَّ الْوَحْدَةَ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا عَدَمُ التَّجْزِئَةِ تَارَةً وَيُرَادُ بِهَا عَدَمُ التَّثَنِّي وَالنَّظِيرِ أُخْرَى، كَوَحْدَةِ الشَّمْسِ، وَالْوَاحِدُ يَكْثُرُ إِطْلَاقُهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَالْأَحَدُ يَغْلُبُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي، وَلِذَا يُجْمَعُ أَحَدٌ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْآحَادِ أَنَّهُ جَمْعُ أَحَدِ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ لَيْسَ لِلْأَحَدِ جَمْعٌ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ جَمْعُ وَاحِدٍ كَالْأَشْهَادِ فِي جَمْعِ شَاهِدٍ، وَلَا يُفْتَحُ بِهِ الْعَدَدُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ مَنْ قَالَ: الْوَاحِدُ لِلْوَصْلِ، وَالْأَحَدُ لِلْفَصْلِ، فَمِنَ الْوَاحِدِ وَصَلَ إِلَى عِبَادِهِ مَا وَصَلَ مِنَ النِّعَمِ، وَمِنَ الْأَحَدِ فَصَلَ عَنْهُمْ مَا فَصَلَ مِنَ النِّقَمِ. قُلْتُ: وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، لِأَنَّ فَصْلَ النِّقَمِ يَنْدَرِجُ فِي وَصْلِ النِّعَمِ. وَالثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ، وَالْأَحَدُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ، يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا شَبِيهَ فِي صِفَاتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا سَبَبَ عَدَمِ ذِكْرِهِ، لِأَنَّهُ بِظَاهِرِهِ يُنَافِي تَعَدُّدَ الْأَسْمَاءِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْوَاحِدُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لِلِاكْتِفَاءِ، وَحَظُّ الْعَبْدِ أَنْ يَغُوصَ لُجَّةَ التَّوْحِيدِ، وَيَسْتَغْرِقَ فِي بَحْرِ التَّفْرِيدِ، حَتَّى لَا يَرَى مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ غَيْرَ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ.
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: التَّوْحِيدُ ثَلَاثَةٌ: تَوْحِيدُ الْحَقِّ تَعَالَى نَفْسَهُ، وَهُوَ عِلْمُهُ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ وَكَذَا إِخْبَارُهُ. قُلْتُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران: ١٨] وَتَوْحِيدُ الْحَقِّ لِلْعَبْدِ، وَهُوَ إِعْطَاؤُهُ التَّوْحِيدَ لَهُ وَالتَّوْفِيقَ بِهِ، قُلْتُ: وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩] وَتَوْحِيدُ الْعَبْدِ لِلْحَقِّ، وَهُوَ أَنْ لَا يُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا. قُلْتُ: وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [الحشر: ٢٢] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute