(الْجَامِعُ) : أَيِ: الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ أَشْتَاتِ الْحَقَائِقِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ مُتَجَاوِرَةً وَمُتَمَازِجَةً فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ. وَقِيلَ: الْجَامِعُ لِأَوْصَافِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، وَأَقُولُ: هُوَ كَمَا قَالَ: {جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: ٩] فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَوَافَقَ الْكَمَالَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ بِالْآدَابِ الْجُسْمَانِيَّةِ فَلَهُ حَظٌّ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَقَدْ يَجْمَعُ الْيَوْمَ قُلُوبَ أَوْلِيَائِهِ إِلَى شُهُودِ تَقْدِيرِهِ، حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْ أَسْبَابِ التَّفْرِقَةِ فَيَطِيبُ عَيْشُهُ، إِذْ لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ دُونَ لِقَاءِ اللَّهِ، فَلَا يَرَى الْوَسَائِطَ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى الْحَادِثَاتِ بِعَيْنِ التَّقْدِيرِ فَإِنْ كَانَ نِعَمٌ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُعْطِي لَهَا وَمَنِيحُهَا، وَإِنْ كَانَ شِدَّةٌ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْكَاشِفَ لَهَا وَمُزِيحَهَا.
(الْغَنِيُّ) : أَيِ: الْمُسْتَغْنِي بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: ١٥] .
(الْمُغْنِي) : أَيِ الَّذِي يُغْنِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا شَاءَ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أَغْنَى خَوَاصَّ عِبَادِهِ عَمَّا سِوَاهُ، بِأَنْ لَمْ يُبْقِ لَهُمْ حَاجَةً إِلَّا إِلَيْهِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: إِنَّ اللَّهَ يُغْنِي عِبَادَهُ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، لِأَنَّ الْحَوَائِجَ لَا تَكُونُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ، فَمَنْ أَشَارَ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ رَجَعَ عِنْدَ حَوَائِجِهِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ الْحَاجَةَ إِلَى الْخَلْقِ، ثُمَّ يَنْزِعُ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَمَنْ شَهِدَ مَحَلَّ افْتِقَارِهِ إِلَى اللَّهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ بِحُسْنِ الْعِرْفَانِ، أَغْنَاهُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَأَعْطَاهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَرْتَقِبُ، وَإِغْنَاءُ اللَّهِ الْعِبَادَ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِيهِ بِتَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُغْنِيهِ بِتَصْفِيَةِ أَحْوَالِهِ، وَهَذَا هُوَ الْغِنَى الْحَقِيقِيُّ.
(الْمَانِعُ) : أَيِ الدَّافِعُ لِأَسْبَابِ الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَدْيَانِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْمَنَعَةِ أَيْ يُحَوِّطُ أَوْلِيَاءَهُ وَيَنْصُرُ أَصْفِيَاءَهُ، وَقِيلَ: مِنَ الْمَنْعِ أَيْ: يَمْنَعُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمَنْعَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ» ". وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: رُبَّمَا أَعْطَاكَ فَمَنَعَكَ، وَرُبَّمَا مَنَعَكَ فَأَعْطَاكَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ: الْمُعْطِي الْمَانِعُ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: الْمَانِعُ فِي وَصْفِهِ تَعَالَى يَكُونُ بِمَعْنَى مَنْعِ الْبَلَاءِ عَنْ أَوْلِيَائِهِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى مَنْعِ الْعَطَاءِ عَمَّنْ شَاءَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَعْدَائِهِ، وَقَدْ يَمْنَعُ الْمَنِيَّ وَالشَّهَوَاتِ عَنْ نُفُوسِ الْعَوَامِّ، وَيَمْنَعُ الْإِرَادَاتِ وَالِاخْتِيَارَاتِ عَنْ قُلُوبِ الْخَوَاصِّ، وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ الَّتِي يَخُصُّ بِهَا عِبَادَهُ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُكْرِمُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ الْعَارِفِينَ.
(الضَّارُّ، النَّافِعُ) : هُمَا بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْقُدْرَةُ الشَّامِلَةُ لِلضُّرِّ وَالنَّفْعِ، أَوْ خَالِقُ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ، أَوِ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهُ النَّفْعُ وَالضُّرُّ إِمَّا بِوَاسِطٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطٍ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَفِي مَعْنَى الْوَصْفَيْنِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْدُثُ شَيْءٌ فِي مُلْكِهِ إِلَّا بِإِيجَادِهِ وَحِكْمَتِهِ وَقَضَائِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِحُكْمِهِ فَهُوَ عَائِشٌ فِي الرَّاحَةِ، وَمَنْ آثَرَ اخْتِيَارَ نَفْسِهِ وَقَعَ فِي كُلِّ آفَةٍ، وَقَدْ وَرَدَ عَنِ الْحَقِّ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ( «أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، مَنِ اسْتَسْلَمَ لِقَضَائِي وَصَبَرَ عَلَى بَلَائِي وَشَكَرَ عَلَى نَعْمَائِي كَانَ عَبْدِي حَقًّا، وَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لِقَضَائِي وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي وَلَمْ يَشْكُرْ عَلَى نَعْمَائِي فَلْيَطْلُبْ رَبًّا سِوَايَ» ) .
(النُّورُ) : أَيِ: الظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بِنُورِهِ ذُو الْعَمَايَةِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: ٣٥] يُنَوِّرُ الْآفَاقَ بِالنُّجُومِ، وَالْقُلُوبَ بِفُنُونِ الْمَعَارِفِ وَصُنُوفِ الْعُلُومِ، وَالْأَبْدَانَ بِآثَارِ الطَّاعَاتِ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ زِينَةُ النُّفُوسِ، وَالْأَشْبَاحَ وَالْمَعَارِفَ زِينَةُ الْقُلُوبِ، وَالْأَرْوَاحَ وَالتَّأْيِيدَ بِالْمُوَافِقَاتِ نُورُ الظَّوَاهِرِ، وَالتَّوْحِيدَ بِالْمُوَاصَلَاتِ نُورُ السَّرَائِرِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَزِيدُ قَلْبَ الْعَبْدِ نُورًا عَلَى نُورٍ. قَوْلُهُ: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٣٥] أَيْ: يَهْدِي اللَّهُ الْقُلُوبَ إِلَى مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بِنُورِ الْحَقِّ وَيَصْطَفِيهِ، وَيَتْرُكُ الْبَاطِلَ وَيَدَعُ مَا يَسْتَدْعِيهِ.
(الْهَادِي) : هُوَ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى خَاصَّةَ خَلْقِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ فَاطَّلَعُوا بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ مَصْنُوعَاتِهِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَعْرِفَتِهِمْ بِاللَّهِ، ثُمَّ يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ بِهِ، وَهَدَى عَامَّةَ خَلْقِهِ إِلَى مَخْلُوقَاتِهِ، فَاسْتَشْهَدُوا بِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْأَفْعَالِ ثُمَّ يَرْتَفِعُونَ بِهَا إِلَى الْفَاعِلِ، فَالثَّانِي مُرِيدٌ، وَالْأَوَّلُ مُرَادٌ، وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ، وَإِلَى الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: ٥٣] خِطَابًا مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْأَقْوِيَاءِ مِنْ خَوَاصِّ عِبَادِهِ الْأَصْفِيَاءِ، وَإِلَيْهَا الْإِيمَاءُ بِقَوْلِهِ: عَرَفْتُ رَبِّي بِرَبِّي، وَلَوْلَا رَبِّي مَا عَرَفْتُ رَبِّي، وَلَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا. وَإِلَى الثَّانِيَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَنُرِيهِمْ آيَتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: ٥٣] وَبِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٨٥] قَالَ الْقُشَيْرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ} [يونس: ٩] يُكْرِمُ أَقْوَامًا. مِمَّا يُلْهِمُهُمْ مِنْ جَمِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute