يَلِيقُ أَنْ يُغْسَلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ حَتَّى يَذْهَبَ (أَعُوذُ) ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ وَأَعُوذُ بِوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ الْمُلَاطَفَةِ، وَالْمَعْنَى أَعْتَصِمُ وَأَعُوذُ (بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ) وَفِي الْحِصْنِ: مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ (أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: مِنْ شَرِّ كُلِّ دَآبَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا (أَنْتَ الْأَوَّلُ) وَفِي الْحِصْنِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ أَيِ: الْقَدِيمُ بِلَا ابْتِدَاءٍ (فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ) قِيلَ: هَذَا تَقْرِيرٌ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتَ الْأَوَّلُ مُفِيدٌ لِلْحَصْرِ بِقَرِينَةِ الْخَبَرِ بِاللَّامِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَنْتَ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَعَلَى هَذَا مَا بَعْدَهُ (وَأَنْتَ الْآخِرُ) أَيِ: الْبَاقِي بِلَا انْتِهَاءٍ (فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ) أَيْ: بَعْدَ آخِرِيَّتِكَ الْمُعَبَّرِ بِهَا عَنِ الْبَقَاءِ شَيْءٌ يَكُونُ لَهُ بَقَاءٌ لِذَاتِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَكَ بِمَعْنَى غَيْرِكَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ غَيْرَكَ فَإِنَّ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بَقَاءٌ مَا فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] وَ {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: ٢٦] بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِهِ الْآنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ الْمُسْتَحْسَنُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
، قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ: تَمَسَّكَتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ: " لَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ " عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ تَفْنَى بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَذْهَبُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِخِلَافِهِ، وَالْمُرَادُ: أَنَّ الْفَانِيَ هُوَ الصِّفَاتُ، وَالْأَجْزَاءَ الْمُتَلَاشِيَةُ بَاقِيَةٌ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَقَاءِ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَمَا صَحَّ مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ (وَأَنْتَ الظَّاهِرُ) أَيِ: الْأَفْعَالُ وَالصِّفَاتُ، أَوِ الْكَامِلُ فِي الظُّهُورِ (فَلَيْسَ فَوْقَكَ) أَيْ: فَوْقَ ظُهُورِكَ (شَيْءٌ) يَعْنِي: لَيْسَ شَيْءٌ أَظْهَرَ مِنْكَ لِدَلَالَةِ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ عَلَيْكَ، وَقِيلَ: لَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ فِي الظُّهُورِ، أَوْ أَنْتَ الْغَالِبُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ غَالِبٌ (وَأَنْتَ الْبَاطِنُ) أَيْ: بِاعْتِبَارِ الذَّاتِ (فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ) أَيْ: لَيْسَ شَيْءٌ أَبْطَنَ مِنْكَ، وَدُونَ يَجِيءُ بِمَعْنَى غَيْرٍ، وَالْمَعْنَى لَيْسَ - غَيْرَكَ - فِي الْبُطُونِ شَيْءٌ أَبْطَنَ مِنْكَ، وَقَدْ يَجِيءُ بِمَعْنَى قَرِيبٍ، فَالْمَعْنَى: لَيْسَ شَيْءٌ فِي الْبُطُونِ قَرِيبًا مِنْكَ، وَقِيلَ: مَعْنَى الظُّهُورِ وَالْبُطُونِ تَجَلِّيهِ لِبَصَائِرِ الْمُتَفَكِّرِينَ وَاحْتِجَابُهُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ: ظَاهِرٌ فِي عَيْنِ الْبَاطِنِ وَبَاطِنٌ فِي عَيْنِ الظَّاهِرِ (اقْضِ عَنِّي) وَفِي رِوَايَةٍ عَنَّا (الدَّيْنَ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حُقُوقُ اللَّهِ، وَحُقُوقُ الْعِبَادِ جَمِيعًا، وَلَمَّا «قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُكَ تَسْتَعِيذُ مِنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَعِيذُ مِنَ الدَّيْنِ،» بَيَّنَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الدَّيْنَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفَاسِدُ كَخُلْفِ الْوَعْدِ وَتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، وَلِذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الدَّيْنِ " «هَمٌّ بِاللَّيْلِ مَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ» " (وَاغْنِنِي) وَفِي رِوَايَةٍ وَاغْنِنَا (مِنَ الْفَقْرِ) أَيْ: الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْمَخْلُوقِ، أَوْ مِنَ الْفَقْرِ الْقَلْبِيِّ، لِمَا وَرَدَ: " كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا " (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) وَكَذَا النَّسَائِيُّ. وَابْنُ أَبِي شَيْبَهَ (وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعَ اخْتِلَافٍ يَسِيرٍ) كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute