الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٢٤٩٥ - عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «إِنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي فَقَالَ (إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) . قَالَ: فَادْعُهُ. قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ وَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي لِيَقْضِيَ لِي فِي حَاجَتِي هَذِهِ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ لِي» ) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
ــ
٢٤٩٥ - (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ) : بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا (قَالَ: إِنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ) : أَيْ: ضَعِيفَ النَّظَرِ، أَوْ أَعْمًى ( «أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي» ) : أَيْ: مِنْ ضَرَرِي فِي نَظَرِي [فَقَالَ: (إِنْ شِئْتَ) : أَيْ: اخْتَرْتَ الدُّعَاءَ (دَعَوْتُ) : أَيْ: لَكَ (وَإِنْ شِئْتَ) : أَيْ: أَرَدْتَ الصَّبْرَ وَالرِّضَا (صَبَرْتَ فَهُوَ) : أَيْ: الصَّبْرُ (خَيْرٌ لَكَ) : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ» ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: وَلَوْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ نَصَّ الْحَدِيثِ، وَلِعَدَمِ الضَّرُورَةِ الْكَامِلَةِ فِي فَقْدِ إِحْدَاهُمَا لِحُصُولِ أَصْلِ الْمَقْصُودِ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، (قَالَ) : أَيِ: الرَّجُلُ (فَادْعُهُ) بِالضَّمِيرِ: أَيِ: ادْعُ اللَّهَ أَوِ اسْأَلِ الْعَافِيَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ لِلسَّكْتِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا اخْتَارَ الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ الْأَمْرَيْنِ مَعَ إِمْكَانِ حُصُولِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ، بَلْ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْخُلُوِّ فِيهِ أَنَّ مَنْ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَاخْتَارَ الْمَفْضُولَ مِنْهُمَا لَا حَرَجَ عَلَيْهِ، عَلَى أَنْ يَحْتَمِلَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ ظَنَّ أَنَّ فِي عَوْدِ بَصَرِهِ إِلَيْهِ مَصَالِحَ دِينِيَّةً يَفُوقُ ثَوَابُهَا ثَوَابَ الصَّبْرِ.
قُلْتُ: عَلَى هَذِهِ لِلضَّرَرِ، لِأَنَّهُ كَيْفَ يَظُنُّ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ: أَسْنَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدُّعَاءَ إِلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا طَلَبَ الرَّجُلُ أَنْ يَدْعُوَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَدْعُوَ هُوَ، أَيِ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْضَ مِنْهُ اخْتِيَارَهُ الدُّعَاءَ لَمَّا قَالَ: الصَّبْرُ خَيْرٌ لَكَ، لَكِنْ فِي جَعْلِهِ شَفِيعًا لَهُ وَوَسِيلَةً فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ مَا يُفْهَمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرِيكٌ فِيهِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَكَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ رَدَّهُ بِقَوْلِهِ لَكِنْ فِي جَعْلِهِ إِلَخْ. فَحَصَلَ مِنْهُ خَبَاطَاتٌ عَجِيبَةٌ وَخَيَالَاتٌ غَرِيبَةٌ.
(فَأَمَرَهُ) : وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: قَالَ: أَيْ عُثْمَانُ فَأَمَرَهُ (أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ) : أَيْ: يَأْتِي بِكَمَالَاتِهِ مِنْ سُنَنِهِ وَآدَابِهِ، وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: أَيْ يَأْتِي بِوَاجِبَاتِهِ أَوْ وَمُكَمِّلَاتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ لَقَالَ فَيَتَوَضَّأَ، فَلَا بُدَّ فِي قَوْلِهِ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ مِنْ تَحْصِيلِ الْمُكَمِّلَاتِ لِيَكُونَ فِي الزِّيَادَةِ إِفَادَةٌ حَسَنَةٌ، أَيْ: وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ. [وَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) : أَيْ: أَطْلُبُكَ مَقْصُودِي فَالْمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ أَيْ: أَدْعُوكَ فَيَكُونُ أَلْطَفَ سُؤَالٍ إِلَى أَشْرَفِ نَوَالٍ (وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ) : أَيْ: دَافَعِ الرَّحْمَةِ وَكَاشِفِ الْغُمَّةِ، وَشَفِيعِ الْأُمَّةِ الْمَنْعُوتِ بِكَوْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، الْمُرْسَلِ إِلَى أُمَّةٍ مَرْحُومَةٍ مِنْ عِنْدِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute